ربما يكون المشترك بين الكنديين والأميركيين أكثر من المشترك بين أي شعبين آخَرَين إلا فيما يتعلق بالرعاية الصحية. فلطالما خاف الأميركيون من النظام الكندي الشامل الممول من جهة دفع واحدة، واصفين إياه بأنه نظام اشتراكي ينطوي على وقت انتظار بلا نهاية. ونظر الكنديون بخوف مماثل إلى وثائق التأمين الأميركية والخليط المتنافر من جهات التمويل وأقساط التأمين. وكان ويندل بوتر، وهو مدير تأمين صحي أميركي سابق، أحد أسباب هذا الخوف المتبادل. ففي غمرة الجائحة التي حصدت عدداً كبيراً من أرواح الأميركيين، كشف بوتر في تغريدة نشرها في الآونة الأخيرة عن دوره في إبقاء هذا الخوف قائماً بقدر الإمكان. وكتب في تغريدته يقول: «في غمرة كارثة كوفيد-19 في أميركا، يتعين أن أوضح كذبة نشرتها حين كنت مديراً تنفيذياً للتأمين الصحي. فقد أنفقنا عدداً كبيراً من الدولارات للترويج لفكرة مفادها أن نظام جهة الدفع الواحدة في كندا كان مروعاً وأن النظام الأميركي أفضل. لقد كانت كذبة، واستجابة الدول لكورونا أثبتت هذا». والتغريدات الست لبوتر انتشرت على نطاق واسع وتمت إعادة نشرها 86 ألف مرة. ويرى بوتر أنها أصابت وتراً حساساً في وقت يشعر فيه الأميركيون بالهشاشة بعد أن سجلت بلادهم أكبر حصة من حالات الإصابة بلغت أكثر من أربعة ملايين حالة وأكبر عدد من الوفيات بلغ أكثر من 155 ألف وفاة، ولا توجد بوادر لتراجع حدة الجائحة. ويعتقد بوتر أن هذه قد تكون لحظة محورية لإصلاح الرعاية الصحية، ويرى دوراً واضحاً لنفسه يتمثل في تركيز الأنظار على الطريقة التي تآمر بها عالم الشركات لصياغة السياسة وتضليل الرأي العام. ولم يكن بعض أفراد الجمهور مستعداً لتقبّل اعتذاره، لكنه يؤكد أن اعترافه يندرج في مضمار الكشف عن مواطن الفساد. ومضى يقول: «أعتقد أن ما نمر به الآن قد يمثل دعوة حقيقية للانتباه لكثير من الناس»، خاصة في الوقت الذي نقارن فيه مسار الجائحة في الولايات المتحدة بدول أخرى مثل كندا التي سجلت نحو 116 ألف حالة إصابة وأقل من تسعة آلاف وفاة. ومضى يقول: «الناس لا يتصورون أن أي بلد آخر يستطيع تقديم الرعاية الصحية أفضل مما تستطيع الولايات المتحدة فعله».
وهذه العقلية شكّلها بوتر حين كان نائباً للرئيس عن العلاقات العامة في شركة «سيجنا» للتأمين الصحي التي انضم إليها في عام 1993. لقد ارتقى في المراتب من خلال استخلاصه بيانات ساعدت في تعزيز الأرباح لشركته. وذكر أنه كان يختار انتقائياً بعض القصص من جماعات الصناعة ومن خطط التأمين الصحي الأميركية ثم يجعل منها نقاطاً للنقاش يتأكد أنها تصل إلى جماعات الضغط والسياسيين والصحفيين، مما يخلق آلة دعاية كان يؤمن بها في ذاك الوقت. وعمل بوتر بلا كلل، بتركيزه على جانب معين من البيانات، ليجعل الأميركيين يعتقدون أن الكنديين ينتظرون حتى الموت للحصول على الرعاية الصحية الضرورية. ومضى يقول: «قد يلقي المرء الضوء على هذا ويجعل الناس تعتقد أن هذه هي طريقة سير الأمور وأن الكنديين يتدفقون على الولايات المتحدة للحصول على الرعاية التي يحتاجونها، لأنه لا يمكنهم الحصول عليها في الوقت الملائم في كندا. ويروج المرء لهذا بلا توقف عاماً بعد آخر. ويخشى الأميركيون ألا يكون بمقدورهم رؤية طبيب حين يحتاجونه إذا كان لدينا نظام مثل كندا. وألا يكون بمقدورهم الذهاب إلى المستشفى حين يحتاجون هذا». لكن الواقع أن معظم الكنديين يتلقون الرعاية التي يحتاجونها حين تلح الحاجة.
وجاءت لحظة المكاشفة قبل أكثر من عقد من الزمن في زيارة لشرق ولاية تينيسي، حين علم بوتر بشأن إقامة عيادة طبية مجانية خارج الحدود مباشرة في ولاية فيرجينيا. وذكر بوتر أنها «كانت واحدة من أكثر الأمور التي رأيتها في حياتي إبهاراً». فقد وقف عدد كبير من الأميركيين في طوابير طويلة، انتظاراً لتلقي العلاج. واستقال بوتر من عمله عام 2008، وأصبح مدافعاً كبيراً عن إصلاح الرعاية الصحية، كمؤلف ومتحدث، ويتزعم حالياً منظمة «الرعاية الصحية للجميع الآن!»
وفي واحدة من التغريدات، اعتذر بوتر عن «سوء الخدمة» التي قدمها، ولم يسامحه بعض الناس بسهولة. فقد كتب أحد الأشخاص قائلاً: «سوء الخدمة الذي قمت به أبقى السياسات دون تغيير مما أودى بحياة الآلاف، ألا تشعر بأنك مسؤول بشكل مباشر؟ كلمة سوء الخدمة مخففة فيما يبدو». وأعلن بوتر أنه يتحمل مسؤولية ويشعر بندم عميق.
لكنه يشعر اليوم أن الوقت الحالي قد يكون ملائماً للتعرف على نقاط القصور في الرعاية الصحية الأميركية بعد ما كابده الأميركيون من حزن وقلق بسبب فيروس كورونا. وأضاف: «الأميركيون خافوا من أنه إذا تحولنا إلى نظام التغطية الشامل الذي به المزيد من المساواة مقارنة بنظامنا، قد يخسرون شيئاً بطريقة أو بأخرى. لا شك أن لدينا بعضاً من أفضل المنشآت وبعضاً من أفضل الأطباء في العالم. لكن من غير المفهوم تماماً ألا تتوافر رعاية استثنائية الجودة إلا للذين لديهم الكثير من المال». واختتم تغريداته بالقول: «نظام كندا الذي به جهة دفع واحدة يحمي الحياة. والنموذج الأميركي للشركات الهادفة للربح فاشل. سأندم على التشهير بنظام كندا بقية حياتي».

 

*رئيسة مكتب «كريستيان ساينس مونيتور» في مدينة تورونتو الكندية
ينشر بترتسب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»