اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده نجحت في الحد من الصدمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، مشدداً على أن «الهدف الأول لسياستنا الاقتصادية هو استعادة مستوى النشاط بحلول 2021». لكن تحت تأثير بعيد المدى خلّفته تداعيات الجائحة على خطط التنمية، اضطر بوتين إلى إصدار مرسوم عدّل بموجبه خطته السابقة التي أصدرها فور تنصيبه رئيساً لولاية رابعة في مايو 2018، وتمتد حتى 2024، وذلك برفع السقف الزمني لتحقيق أهدافها حتى عام 2030، مع ضرورة الأخذ بالاعتبار العوامل والظروف المرتبطة بالنتائج السلبية لأضرار وخسائر الاقتصاد الروسي، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في البلاد.
وفي الوقت الذي أكدت فيه وزارة التنمية دخول الاقتصاد الروسي مرحلة الانتعاش مع تراجع وتيرة الركود، أشار البنك المركزي إلى أن الوضع الاقتصادي بدأ يتحسن في يونيو الماضي، إلا أنه لم تتوفر إمكانية للتعويض عن خسائر شهري أبريل ومايو، نتيجة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني بنسبة 10% على أساس سنوي. ووفق وكالة «إستاندرد أندبورز»، فإن تراجع أسعار النفط وانخفاض الإنتاج بموجب اتفاقية «أوبك بلس»، إضافة إلى التداعيات السلبية لجائحة كورونا، كلها ستؤدي إلى انخفاض في الاقتصاد الروسي بنسبة 4.8% العام الحالي، على أن يعود الناتج المحلي عام 2022 إلى مستويات عام 2019، أي ما قبل الأزمة.
وقد سبق لروسيا أن حصدت ثمار السنوات الثلاث الأخيرة من التعاون مع دول «أوبك» دعماً لاقتصادها، وساهم ذلك بدعم مدخرات «صندوق الرفاه الوطني» التي بلغت 124 مليار دولار، الأمر الذي ترك ارتياحاً كبيراً لدي المواطنين الروس لأن هذا الصندوق يشكل «وسادة أمان» للاقتصاد الروسي. لكن خطورة الأزمة الاجتماعية برزت في مطلع العام الحالي، من خلال مؤشرات عدة، منها تفاقم البطالة وحالات الإفلاس التي حدثت في النصف الأول من العام وشملت 4500 شركة، وعدداً كبيراً من أصحاب الأعمال الذاتية الفردية (نحو 43 ألف حالة). وينصب اهتمام الخبراء الروس حالياً على الوضع المعيشي ومستوى دخل المواطنين، بعد تحذيرهم من أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستواصل تأثيرها خلال الفترة القادمة، خصوصاً أن تدابير الدعم الحكومية للفقراء ليست كافية لحل هذه المشكلة المتفاقمة.
ويأتي هذا الاهتمام تنفيذاً لأهداف خطة الرئيس بوتين الجديدة، والتي تمتد حتى عام 2030، وتركز في المرتبة الأولى على الوضع الديموغرافي، والحفاظ على السكان ورفاهية المواطنين وصحتهم، وتوفير فرص لتحقيق الذات وتنمية المواهب، وتأمين بيئة آمنة للحياة، مع فرص عمل لائق وريادة الأعمال. ولعل زيادة عدد السكان وتنمية الموارد البشرية تعد من أهم أهداف الخطة، انطلاقاً من أن الإنسان هو «صانع التنمية وهدفها»، بموجب برنامج الأمم المتحدة لعام 1990، على أساس أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم، وأن قدرات أي أمة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدرّبة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي جديد. وتطبيقاً لهذا المفهوم، تبرز خسائر الاقتصاد الروسي باستمرار انخفاض عدد السكان للعام الثالث على التوالي؛ إذ سجل العام 2019 أعلى معدل انخفاض منذ 11 عاماً، بلغ أكثر من 326 ألف نسمة. ورغم أن الهجرة الوافدة إلى روسيا عوّضت جزءاً يسيراً من هذا الانخفاض، فإنها لم تكن كافية، وقد وعد الرئيس بوتين بالعمل على تحسين الظروف لضمان نمو معدل الولادات، وزيادة عدد السكان خلال السنوات العشر القادمة.

*كاتب لبناني