يُمثل إطلاق «مسبار الأمل» في العشرين من يوليو 2020 نحو كوكب المريخ نقطة فارقة، ليس في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، وإنما في تاريخ الوطن العربي والمنطقة بأكملها؛ حيث يُعد هذا الإنجاز غير مسبوق عربياً وإقليمياً، وهو أول مسبار عربي وإسلامي يُرسل إلى الكوكب الأحمر بقيادة فريق عمل إماراتي في رحلة استكشافية علمية يُخطَّط لها أن تصل العام القادم 2021، وهو العام الذي يصادف الذكرى الخمسين لقيام دولة الاتحاد. 
لماذا «مسبار الأمل»؟ ولماذا المريخ؟
قد يتساءل بعض الناس عن السبب الذي دفع دولة الإمارات إلى التفكير في إرسال مسبار إلى كوكب يبعد عنا ملايين الكيلومترات. والحقيقة أن الذهاب إلى المريخ ليس من باب الترف مطلقاً؛ وإنما هو حاجة، بل ضرورة، خاصة بالنسبة إلى دولة تريد أن تكون رائدة في كل شيء. ولا يتوقف الأمر عند تحقيق طموح مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أو ضمان مصالحها؛ بل تتجاوز هذه الأهداف إلى المساهمة بفعالية في هذا المجال بما يعود بالنفع على البشرية جمعاء. ومن هنا، فإن «مسبار الأمل» يمثل بالفعل إنجازاً عظيماً، وينطوي دون شك على دلالات عدة، يمكننا الإشارة إلى أهمها:
أولاً: تحقيق رؤية القيادة وطموح الشباب. يترجم مسبار الأمل على أرض الواقع طموح القيادة الرشيدة ورؤيتها بعيدة المدى في تنويع المعارف والعلوم المتاحة لأبناء الوطن، وفتح آفاق ومجالات واسعة وجديدة أمامهم، حتى يتمكنوا من توجيه طاقاتهم وقدراتهم نحو مسارات علمية وعملية مليئة بالفرص والاستكشاف، وكذلك إعداد كفاءات وطنية يمكن الاعتماد عليها في قيادة نهج التحول نحو اقتصاد المعرفة والانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط، فضلاً عن إيجاد موطئ قدم عربي وإسلامي، ضمن مجال الفضاء الواسع غير المحدود؛ بما يضمن مواصلة مسيرة التقدم التي تشهدها الدولة، وتحقيق ريادتها العالمية في كل شيء.
ثانياً: تحقيق آمال العرب وطموحاتهم. يُشكل «مسبار الأمل» مصدر إلهام، لا للشباب الإماراتي فحسب، وإنما للشباب العربي أيضاً، وحافزاً لهم إلى تبني الأفكار التي تخدم أوطانهم وأمتهم، وتسهم في تمكينها من العبور بثقة واقتدار نحو المستقبل. ومن ثم فإن الذهاب إلى المريخ ليس خطوة مهمة في مسيرة الدولة نحو الريادة فقط، وإنما هو أيضاً مرحلة جديدة في سعيها إلى تحقيق آمال العرب في أن يكونوا مساهمين في تطوير العلوم والمعارف، لا مستهلكين لما تنتجه فحسب، حيث سيقوم المسبار بجمع معلومات مهمة، وإجراء عمليات مسح وتجارب علمية ستساهم في زيادة المخزون العربي في مجال صناعة الفضاء وعلومه.
ثالثاً: نجاح مسيرة الدولة وجهودها. يأتي مشروع «مسبار الأمل» استكمالاً لمسيرة ممتدة بدأت منذ سنوات؛ وحققت دولة الإمارات إنجازات مهمة خلالها؛ فقد سبق أن أطلقت الدولة القمر الصناعي «دبي سات» الذي أشعل الرغبة في أن تكون للدولة إنجازاتها الخاصة في هذا المجال الحيوي، ثم تبع هذا إنشاء «وكالة الإمارات للفضاء» في عام 2014، وهي الأولى من نوعها في العالم العربي، ثم «مركز محمد بن راشد للفضاء» في عام 2015، الذي حمل على عاتقه مهمة الانتقال بالرؤية والطموح من طور التفكير والتخطيط إلى التنفيذ، فكان إنجازه الأول بناء القمر الصناعي الإماراتي «خليفة سات» وإطلاقه إلى مداره بعقول وسواعد إماراتية، ثم الانتقال خطوة متقدمة جداً نحو ما هو أوسع وأرحب، حيث تمكنت من إرسال أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى «محطة الفضاء الدولية»؛ عندما انطلق هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي، إلى «محطة الفضاء الدولية» ضمن فريق عالمي على متن مركبة الفضاء الروسية «سويوز إم إس 15»، ودخلها يوم 26 سبتمبر 2019؛ لتكون تلك اللحظة نقطة فارقة في تاريخ الدولة والمنطقة العربية برمتها. ثم جاء إطلاق «مسبار الأمل» ليعبر عن نضوج التجربة الإماراتية في هذا المجال وتعمّقها، ولا سيما أن العمل في هذا المشروع إماراتي خالص، منذ كان فكرة وحتى إنجاز آخر جزء من أجزائه.
رابعاً: خدمة رؤية 2071. يخدم «مسبار الأمل» رؤية الدولة 2071 في أن تكون الأفضل في كل المجالات بحلول مئوية الاتحاد. فأن تكون الأفضل عالمياً، وسط هذا التطور المتسارع والتنافس المحموم في كل شيء تقريباً، أمرٌ ليس سهلا؛ ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال الانخراط في سباقات علمية في مجالات حيوية جداً؛ وفي مقدمتها علوم الفضاء؛ وما قامت به الدولة، سواء فيما يتعلق بالاستراتيجية التي تنبتها، أو المؤسسات التي أقامتها، ومن ثم الإنجازات التي تحققت حتى الآن، يشير إلى أن الدولة تشق طريقها بكل ثبات نحو تحقيق هذا الهدف العظيم.
خامساً: خدمة البشرية والمشاركة في تطور الحضارة الإنسانية. ينسجم الذهاب إلى المريخ مع الجهود العالمية الحثيثة للتعامل مع التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، بما فيها التغيرات المناخية، حيث سيقوم بدراسة الغلاف الجوي للمريخ والتغيرات التي تحدث هناك والاستفادة منها، وكذلك استكشاف هذا الكوكب الواعد، خاصة أن هناك مؤشرات كبيرة على صلاحيته للحياة. ففي ظل ما تعانيه الأرض من نضوب في الموارد، أو تغيرات مناخية تنذر بكوارث ما لم يتم التصدي لها وفق رؤية عالمية، فإن الاهتمام بالفضاء سيساعد البشرية كثيراً، ليس فقط في تطوير فهمها لهذا الكوكب أو المنظومة الشمسية ككل، أو حتى هذا الكون الواسع الذي لا يحيط به شيء، وإنما أيضاً في توفير الموارد، التي تحتاجها، حيث يمكن أن تستفيد البشرية في مرحلة ما من موارد هذا الكوكب الغنية؛ ويمكن أن يفتح آفاقاً واسعة للحياة البشرية على الأرض وفي الفضاء.
وفوق هذا وذاك، فإن المشروع يقودنا إلى معرفة أفضل بعظمة الله سبحانه وتعالى الذي خلق الكون ومكّن الإنسان من سبر أغواره، والاستفادة من خيراته ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.

مسبار الأمل يعزز القوة الناعمة للدولة
بالإضافة إلى الأهمية العلمية والاستكشافية العظيمة التي تنطوي عليها مهمة مسبار الأمل، فلا شك أنه يعزز من مكانة الدولة العالمية وقوتها الناعمة التي أخذت بالتصاعد بشكل يلفت أنظار العالم، بسبب الإنجازات غير المسبوقة التي حققتها، والتي جعلت منها دولة مؤثرة في المحيطين الإقليمي والعالمي، ليس فقط سياسياً وإنما علمياً أيضاً، حيث تُعدُّ رائدة في العديد من العلوم، كما تتبوأ مؤسساتها التعليمية مواقع متقدمة في التصنيفات العالمية؛ هذا فضلاً عن التقدم في مجالات حيوية جداً يقاس بها تقدم الأمم، مثل الصحة والتعليم والرفاه الاقتصادي وغيرها؛ وهذا كله يخدم قوة الدولة الناعمة، ويعزز من مكانتها العالمية.

ما بعد مسبار الأمل؟
لا شك أن مسبار الأمل لم يكن البداية، وبالتأكيد ليس النهاية؛ فرغم عظمة هذا الإنجاز وأهميته على كل المستويات، فإن رؤية دولة الإمارات أبعد من هذا بكثير. وتسعى الدولة إلى مشاركة الدول المتقدمة بقوة في مجال استكشاف الفضاء والعمل على إرسال بعثات مأهولة؛ وهي مهمة وإن كانت تمثل بالفعل تحدياً كبيراً للبشرية، وليس للدولة فقط، بسبب التحديات والصعوبات الضخمة التي تعترض تحقيق مثل هذا الهدف، فإنها لا تبدو مستحيلة، بالنظر إلى الإرادة الموجودة، والإمكانات المتاحة، ومن ثم الرؤية الثاقبة لدى القيادة الرشيدة التي تؤمن بأنه لا شيء مستحيل، إذا كانت الإرادة موجودة.
ومن هنا، فإن مشروع الإمارات لاستكشاف الفضاء هو تأكيد على أن دولة الإمارات تقود العالمين العربي والإسلامي إلى آفاق جديدة من العلوم الحديثة، بينما تكسر احتكار الدول الكبرى لهذا المجال، وتؤكد أنها لا تسعى إلى التفوق بالمعايير الإقليمية فقط، وإنما بالمعايير العالمية أيضاً، حيث تعشق التحدي، وتضعه دائماً نصب عينيها؛ ليكون حافزاً لها إلى الاستمرار في التقدم إلى الأمام، وتحقيق المعجزات، وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بقوله إن «الوصول للمريخ هو تحدٍّ كبير. واخترنا هذا التحدي لأن التحديات الكبيرة تحركنا.. وتدفعنا.. وتلهمنا.. ومتى ما توقفنا عن أخذ تحديات أكبر.. توقفنا عن الحركة للأمام».