«الاستباقية» هي كلمة السر الإماراتية، التي كرست ثقافة التفوق في تبني مجالات غير تقليدية، كالقدرة على إنتاج مزيج من الطاقة النظيفة والمتجددة في حقبة ما بعد النفط. إن إعلان نجاح الإمارات في تشغيل أول مفاعل نووي سلمي عربي تؤكد أن القيمة الحقيقية للطاقة النووية تكمن في الاستخدام السلمي لها، وماعدا ذلك هو سراب يتحول إلى نقمة يهدد الأمن والسلم الدوليين.
نجحت الإمارات في كسب ثقة المجتمع الدولي، حيث وقعت 13 اتفاقية ومعاهدة دولية متعلقة بسلامة الطاقة النووية، وها هي الآن تجني ثمار هذه الثقة كدولة معتدلة متحضرة قدوتها زايد، ومنفتحة على العالم منذ تأسيسها. الإمارات دولة تؤمن بقيم السلام والتسامح، وتفخر بمشاركة المرأة في العمل جنباً إلى جنب الرجل. وبالرغم من تداعيات انتشار جائحة كوفيد-19، فإن القيادة الإماراتية تواصل تقدمها نحو اليوبيل الذهبي للإمارات، وتعزز مكانتها في قيادة الطموحات العربية التنموية، موفرة سبل العيش الكريم لكل من يقيم على أرض الإمارات الطيبة، متجاوزة تحديات عديدة عبر ضمان امتثال معايير السلامة لتشغيل المفاعلات، وفرض نظام صارم لمراقبة استخدام التكنولوجيا النووية، بالإضافة إلى نقل المعرفة إلى كوادر وطنية من مهندسين متخصصين في التكنولوجيا النووية، 20% منهم من النساء، وهي من أعلى النسب في هذا القطاع على مستوى العالم. الطاقة النووية ستزود الإمارات بربع حاجة سكانها من الكهرباء طوال مدة تصل إلى 60 عاماً هي العمر التشغيلي لمحطة برّاكة للطاقة النووية، لتواكب بذلك سرعة النمو الاقتصادي، وأيضاً الطفرة السكانية والتزامات الدولة في مجال حماية البيئة العالمية، بالإضافة إلى مبادرات مصاحبة شهدها المجتمع الإماراتي حول التوعية بأهمية الطاقة النووية السلمية وتعزيز كفاءة الطاقة من خلال ترشيد معدلات استهلاك الكهرباء.
وبالرغم من تعدد الجهات المنوط بها إنتاج الكهرباء، إلا أن استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 تمثل جهوداً موحدة للإمارات السبع معاً، وبدعم القيادة الرشيدة لسيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ستساهم الطاقة النووية في تلبية احتياجات الإمارات السبع من الكهرباء، والتي تختلف نسبياً من ناحية المساحة الجغرافية وعدد السكان، إلى جانب مصادر الطاقة الأخرى لضمان التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، وتقليل المخاطر حتى في أسوأ سيناريوهات انقطاع الكهرباء. ومن المرجح أن يدعم ذلك مستقبلاً فكرة تأسيس هيئة في الإمارات لتحقيق الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
قرار الإمارات الاستباقي كدولة منتجة للنفط، وتحولها التدريجي من إنتاج الطاقة من المصادر الطبيعية الناضبة إلى إنتاج الطاقة النظيفة والمستدامة، لا يساهم فقط في كسب حصة من سوق الطاقة العالمي مستقبلاً أو تحفيز الاقتصاد المبني على المعرفة، ولكنه أيضاً قرار استراتيجي ناجح يزيد من تنافسية الإمارات كقوة عربية صاعدة في التعاون الإقليمي والدولي لديها تصورها الخاص لما يجب أن يكون عليه النظام الدولي وهيكليته مستقبلاً، وذلك انطلاقاً من هوية الإمارات وموقعها الجغرافي المميز، ودورها الريادي في اعتبار الإنسان أولوية مطلقة، وهو محور سعادة المجتمعات في المنطقة والعالم.