«أفلت الغنوشي من سحب الثقة بسبب صفقاته من تحت الطاولة.. والأغلبية البرلمانية ترفضه وقد سقط سياسياً»، هكذا علَّقت عضو البرلمان التونسي ورئيسة كتلة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي، بعد إخفاق 97 نائباً، من أصل 127، في تصويت سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يتزعم «حزب النهضة» الإخواني، بعد أن تم التلاعب بالتصويت وإلغاء 18 صوتاً عمداً لإسقاط اللائحة. ومن أبطلوا أصواتهم كانوا قد تعهدوا بالتصويت بالموافقة، لكن يبدو أنهم تعرضوا لضغوطات، أو وعود لإتمام عملية إنقاذ الغنوشي من السقوط القانوني، كما حذّرت من ذلك مسبقاً ثلاث كتل نيابية، هي «الكتلة الديمقراطية» و«الإصلاح» و«تحيا تونس»، من محاولة إفشال جلسة التصويت على عريضة سحب الثقة. لكن الغنوشي سقط سياسياً، كما قالت موسي، حتى مع بقائه رئيساً للبرلمان التونسي.
بعد حل التجمع الدستوري الذي تنتمي إليه، والذي كان يمثله الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، التحقت المحامية عبير موسي بحزب الحركة الدستورية الذي أسسه حامد القروي، وهو الوزير الأول في عهد ابن علي، ثم ما لبثت أن صعدت لرئاسة الحزب عام 2016، ليتغير اسمه إلى «الحزب الدستوري الحر»، كأحد كتل البرلمان التونسي الحالي، البارزة والمناهضة لـ«حزب النهضة» الإخواني الذي يرأسه راشد الغنوشي، الرئيس الحالي لمجلس النواب التونسي. ولأن موسي تربطها وشائج قوية بالقانون، فقد توعدت بأنها ستقاضي الحزب الذي ينتمي إليه الغنوشي، كونه حزباً له علاقات بـ«الإخوان المسلمين»، الضالعين في الإرهاب، معتبرةً كل شخص له علاقة بهذا الحزب، مرتَكِباً لجريمة إرهابية، وفق ما تنص عليه قوانين القضاء في تونس، ومتلبساً بتهم الإرهاب وتبييض الأموال.
وضعت عبير موسي قضية «الإخوان» في البرلمان التونسي في صدارة القضايا العالمية، حيث نالت زخماً كبيراً، وشخصت الأبصار تجاه هذه المرأة الشجاعة التي استمدت قوتها ومبادئها السياسة من الراحل رمز تونس الحديثة، الرئيس الحبيب بورقيبة، وتتبنى قضية أسمى من كونها منافسات ومماحكات سياسية، بل تركز جهودها على اقتلاع هذا الحزب الإخواني وتصنيف حزب «النهضة»، كجماعة إرهابية تموَّل من الخارج، كما تعمل على كشف علاقتها بالاغتيالات السياسية، والزج بالشباب التونسي في بؤر التوتر في سوريا وليبيا والعراق، وعلى التحقيق في جريمة إطلاق رصاص الرش في سليانة (شمال تونس) لقمع التظاهرات الاحتجاجية السلمية في عهد الترويكا عام 2012، والتي خلفت 200 إصابة، ستكون أمام القضاء التونسي، وسوف تزيد الضغوط على «حزب النهضة»، فضلاً عن القضايا التي تم تناولها آنفاً، مثل الفساد والرشاوى وتبييض الأموال. كما قدمت وثائق تثبت أن «النهضة» حزب ديني وليس مدنياً، وتوضح حقيقة ارتباطه بالتنظيم الدولي الإرهابي لـ«لإخوان». هذا بالإضافة إلى الكثير من التجاوزات التي سهّل بها هذا الحزب صعوده وتمكينه، وبالتالي هيمنته على البرلمان التونسي.
وتمثل عبير موسي الوجه المشرق لتونس التي نعرفها، وليست تونس التي يحاول الحزبيون الدينيون طمس هويتها، فهي المرأة الشجاعة التي جعلت لكلماتها وقعاً كالرصاص، تسددها فتهز البرلمان، وتخترق قلب حزب «النهضة» لتجعله يرتعب، ويحسب ألف حساب لجسارتها، وقوة حججها وتفانيها، بلا كلل ولا ملل.. فهل تزيح هذه المرأةُ الشجاعةُ «حزبَ النهضة» الإخواني من المشهد السياسي في تونس؟ ربما!