لا تزال الهند تشهد ارتفاعاً حاداً في حالات الإصابة بفيروس كورونا في تحدٍ للحكومة التي تسعى للحد من الوباء ودفع النمو الاقتصادي. وتشهد البلاد التي يبلغ عدد سكانها 1.35 مليار نسمة زيادة بأكثر من 50,000 حالة يوميا. وقد تجاوز إجمالي عدد الحالات في البلاد مليوني حالة نهاية هذا الأسبوع، بينما يُقدر عدد الوفيات بنحو 40,000. وقد صعدت البلاد بسرعة لتحتل الآن المركز الثالث في العالم من حيث عدد الإصابات، لتلي الولايات المتحدة والبرازيل بعد أن تجاوزت روسيا.
تجتاح الجائحة جميع أنحاء البلاد تقريبا. حتى في الوقت الذي تشهد بعض المناطق حالات من التعافي، تظهر نقاط ساخنة جديدة مما يجعل من الصعب على السلطات الهندية السيطرة على الوباء. وبينما تشهد المدن الكبرى مثل دلهي ومومباي، التي كانت في السابق نقاطا ساخنة، بعض الاستقرار الآن، فقد حلت محلها نقاط ساخنة جديدة في ولايات مثل ولاية بيهار والبنغال الغربية، حيث ارتفعت الحالات بشكل حاد مع عودة العمال المهاجرين إلى مسقط رأسهم. تعد ولايات بيهار والبنغال الغربية مصدراً رئيسياً للعمال المهاجرين إلى أجزاء مختلفة من البلاد. أما الولايات الأخرى التي شهدت ارتفاعا كبيرا في عدد الحالات، فتشمل ولاية آندرا براديش جنوب الهند، وهي ثالث أكثر الولايات تضررا بعد ماهاراشترا غرب البلاد وتاميل نادو في الجنوب.
وقد وُصف الإغلاق في الهند على نطاق واسع بأنه الأكثر صرامة في العالم. وفي وقت الإعلان، مع إشعار مدته أربع ساعات، كان هناك توقع طبيعي بأنه يجب أن تكون السلطات قد وضعت خططا حول كيفية التعامل مع التوقف المفاجئ للعمل وحركة الأشخاص، واستمرار عمل سلاسل توريد المواد الأساسية. في معظم البلدان، بعد إعلان الإغلاق، ظل الحد الأدنى من وسائل النقل مفتوحا، مما سمح للأشخاص بالعودة إلى منازلهم. ولكن لسوء الحظ في الهند، لم تكن هناك، لأسابيع، أي إشارة تدل على بذل أي جهد لمعالجة مشكلة العمال المهاجرين، المحتشدين والجوعى، البعيدين عن منازلهم. وبالطريقة التي تم بها تنفيذ عملية الإغلاق، أصبح الإغلاق نفسه مصدرا لانتشار الفيروس. ومن خلال جعل الناس يحتشدون معا، ويصيبون بعضهم البعض بالعدوى، وبعد ذلك يسافر نفس الأشخاص مئات الأميال، أصبح الوباء أسوأ بكثير مما كان عليه.
ومن ناحية أخرى، كانت الهند واحدة من أوائل الاقتصادات الناشئة التي تعلن عن الإغلاق، مما أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي تماماً. ولكن في ظل أن التكلفة الاقتصادية لعملية الإغلاق كبيرة للغاية، تم استعادة الأنشطة جزئياً على مستوى المدينة والمقاطعة منذ منتصف مايو. ويعد تخفيف القيود، بما في ذلك حركة الأشخاص عبر البلاد، عاملاً وراء ظهور الإصابات الجديدة. والآن، تم فتح كل شيء تقريباً في مناطق عدم احتواء الفيروس باستثناء صالات السينما ومراكز التسوق. وبدأت المصانع ووحدات التصنيع وخطوط التوريد والمكاتب في العمل. وفي حين أن المكاتب الحكومية تعمل بنسبة 50 في المئة فقط من الموظفين، يشجع القطاع الخاص موظفيه على العمل من المنزل مع استمرار حالات الإصابة بالفيروس في الارتفاع. وفي هذا السيناريو، هناك تحديات عديدة تواجه محاولة السيطرة على الجائحة.
من الواضح أن الحكومة الهندية، وكذلك الدولة تواجه أحد أكبر التحديات منذ عقود حيث يؤثر الوباء على الصحة الاقتصادية للبلاد. وعلى الرغم من أن البلاد خرجت من حالة الإغلاق الصارمة، فقد أدت عمليات الإغلاق الخاصة بالولايات إلى تعقيد الانتعاش الاقتصادي، والذي كان في وقت ما أسرع اقتصادات العالم نموا. كما أن حالة عدم اليقين فيما يتعلق بالوقت الذي سينتشر فيه الوباء في مدينة أو ولاية بعينها، ومتى ستخضع هذه الولاية أو المدينة للإغلاق تزيد من تعقيد الانتعاش.
تواجه البلاد بالفعل تباطؤا في الاقتصاد ومشكلة البطالة المتزايدة حتى قبل اندلاع الفيروس التاجي وقلب الاقتصاد العالمي. وقد تراجع معدل النمو إلى أدنى مستوياته في ست سنوات ليبلغ 4.7% في الربع الأخير من عام 2019. وفي حين أن التقييمات لا تزال مستمرة حول إلى أي مدى أدى الإغلاق الذي دام شهرين تقريبا إلى تباطؤ الاقتصاد، ليس ثم شك في أن انتشار الجائحة قد أضر الاقتصاد بشدة حيث فقد عشرات الآلاف من العمال المهاجرين وظائفهم، وتراجع الطلب وأجبرت الشركات والصناعات على الإغلاق.
من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الهندي بنسبة تتراوح بين 4 و6 في المئة خلال العام المالي الجاري، وهو الأداء الأسوأ منذ ما يقرب من أربعة عقود، وفقا لتقديرات مختلفة، لكن الحكومة الفيدرالية أكدت على أن علامات صغيرة على الانتعاش باتت واضحة مع توقعات بأن يتحسن النمو في العام المقبل.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي