هل‎ ‬هذا ‬هو ‬الوقت ‬القيم ‬الذي ‬تستدعي ‬فيه ‬مجريات ‬الأحداث ‬وتطورات ‬الأمور ‬التنادي ‬لعقد ‬قمة ‬عربية ‬طارئة، ‬يكون ‬موضوعها ‬الوحيد ‬إنقاذ ‬لبنان ‬الذي يمضى ‬قُدما ‬في ‬طريق ‬المجهول؟
وقت‎ ‬كتابة ‬هذه ‬السطور ‬كان ‬لبنان ‬بين ‬حدثين ‬كبيرين، ‬الأول ‬مفجع ‬إلى ‬درجة ‬أن ‬البعض ‬شبهه ‬بتعرض ‬هيروشيما ‬لقنبلة ‬أميركا ‬الذرية، ‬وذلك ‬عبر ‬ما ‬جرى ‬في ‬مرفأ ‬بيروت، ‬والثاني ‬هو ‬التقرير ‬الخاص ‬بإعلان ‬المحكمة ‬الدولية ‬الخاصة ‬عن ‬نتيجة ‬تحقيق ‬دام ‬خمس ‬عشرة ‬سنة، ‬للوصول ‬إلى المسؤولين ‬عن ‬اغتيال ‬رئيس ‬وزراء ‬لبنان ‬الراحل ‬رفيق ‬الحريري. 
لن‎ ‬نخوض ‬في ‬القضايا ‬الجنائية، ‬ولن ‬نتعرض ‬للتحقيقات ‬الجارية ‬ومآلاتها، ‬فقط ‬يمكننا ‬القطع ‬بأن ‬النسيج ‬المجتمعي ‬اللبناني ‬قد ‬وصل ‬إلى ‬درجة ‬غير ‬مسبوقة ‬من ‬التمزق ‬والتشظي، ‬الأمر ‬الذي ‬يعني ‬أن ‬اللبنانيين ‬باتوا ‬غير ‬قادرين ‬على ‬تدبير ‬أمور ‬دولتهم ‬بأنفسهم، والبديل ‬المحلي ‬الداخلي ‬هو ‬اللجوء ‬إلى لغة ‬السلاح، ‬والاصطفاف ‬الطائفي، ‬ومن ‬ثم ‬الغرق ‬في ‬الحرب ‬الأهلية ‬مرة ‬جديدة، ‬وإعلان ‬نهاية ‬اتفاق ‬الطائف ‬بعد ‬ثلاثة ‬عقود ‬من ‬إبرامه.
الحقيقة‎ ‬تقتضي ‬القول ‬إن ‬لبنان ‬اليوم ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬الأشقاء ‬العرب، ‬وبقيادة ‬جامعة ‬الدول ‬العربية، ‬وينبغي ‬على ‬القادة ‬العرب التوجه ‬إلى «ست ‬الدنيا» ‬بيروت، ‬واحتضان ‬الأشقاء ‬اللبنانيين، وبلسمة ‬جراحهم، ‬وبسط ‬خلافاتهم ‬على ‬مائدة ‬الأخوة ‬والأشقاء، ‬والتوصل ‬إلى أنفع ‬وأرفع ‬صيغة ‬تسامحية ‬تصالحية، ‬تنهي ‬اختطاف ‬لبنان، ‬وتمضي ‬في ‬إعادة ‬وضعه ‬على ‬مسارات ‬الدولة الناجحة ‬القوية، ‬لا ‬الدولة الفاشلة ‬الرهينة ‬لمقدرات ‬ومقررات ‬دول ‬أخرى ‬في ‬الإقليم، ‬معروف ‬أنها ‬لا ‬تريد ‬للبنان ‬الخير.
‎ ‬وصل ‬لبنان ‬وشعبه ‬إلى ‬نقطة ‬مفصلية ‬محورية، ‬إذا ‬سار ‬بعدها ‬في ‬غياهب ‬الظنون ‬والتحرشات، ‬حكماً ‬ستعلن ‬نهايته، ‬وبدء ‬مسيرة ‬أليمة ‬جديدة ‬من ‬الانتحار ‬الأهلي ‬الجماعي، ‬ذاك ‬الذي ‬لن ‬يوفر ‬أحداً ‬من ‬أبنائه.
أما‎ ‬إذا ‬تُرك ‬لبنان ‬للمجتمع ‬الدولي، ‬ففي ‬أفضل ‬الأحوال ‬يمكن ‬للأخير ‬أن ‬يقدم ‬للبنانيين ‬حفنة ‬ملايين ‬من ‬الدولارات ‬وبعض ‬أطنان ‬من ‬الطحين، ‬لكن ‬ما ‬يجز ‬عنه ‬هؤلاء، ‬هو ‬الإحساس ‬والشعور ‬بأخوة ‬في ‬العرق ‬والدم، ‬الدين ‬والتاريخ، ‬الحوار ‬والجوار، ‬فقد ‬كان ‬لبنان ‬أكبر ‬من ‬دولة ‬أنه ‬الرسالة ‬المقروءة ‬منذ ‬مائة ‬عام ‬وأكثر، ‬لبنان ‬الذي ‬على أرضه ‬نشأت ‬القومية ‬العربية، ‬بهدف ‬واضح ‬هو ‬طرد ‬المحتل ‬العثماني ‬الذي ‬أذاق ‬اللبنانيين ‬وكل ‬العرب ‬المهانة، ‬والخلاص ‬في ‬الوقت ذاته ‬من ‬الانتداب ‬الأجنبي.
لا‎ ‬يعني ‬ما ‬تقدم ‬أنه ‬ينبغي ‬الانتظار ‬إلى ‬حين ‬انعقاد ‬مثل ‬هذه ‬القمة ‬المحبوبة ‬والمرغوبة، حتى ‬يسارع ‬العرب ‬إلى ‬تقديم ‬كل ‬ما ‬يقدر ‬لهم ‬أن ‬يقدموه ‬للبنان ‬واللبنانيين، ‬حكومات ‬ومؤسسات، ‬أفراد ‬وجمعيات، ‬فقد ‬بات ‬هناك ‬أكثر ‬من ‬ثلاثمائة ‬ألف ‬مشرد ‬في ‬شوارع ‬العاصمة ‬اللبنانية، ‬وعشرات ‬من ‬الضحايا ‬وبضعة ‬آلاف ‬من ‬الجرحى.
هناك‎ ‬من ‬ينظر ‬إلى ‬لبنان ‬على ‬أنه ‬يعيش ‬لحظاته ‬الأخيرة، ‬وليس ‬سراً ‬أن ‬هناك ‬من ‬يستعد للوثوب ‬والتكالب ‬عليه، ‬لكن ‬الرهان ‬هذه ‬المرة ‬على ‬الأخوة ‬الإنسانية ‬أولاً، ‬والعربية ‬ثانية.
عاش‎ ‬لبنان ‬طوال ‬تاريخه ‬ممثلاً ‬لزهرة ‬البستان ‬العربية، ‬ورواق ‬الأمم ‬الحديث، ‬عبر ‬تناغم ‬حضاري ‬وخلاق، ‬وهي ‬مسؤولية ‬عربية ‬لا ‬ينبغي ‬التخلي ‬عن ‬إكمالها، ‬بأسرع ‬ما ‬يمكن.
*كاتب مصري