أثار ارتفاع حالات فيروس كورونا المستجد نقاشاً محتدماً حول كل شيء، من ضرورة ارتداء الكمامات إلى ما إن كانت جولة جديدة من الإغلاقات ضرورية في بعض الولايات. وسبب العديد من الجدالات قلقٌ حقيقي أثارته التداعيات الاقتصادية للإغلاقات وشلل الاقتصاد، إذ بدون مزيد من الدعم المالي الفيدرالي، فإن مخاطر كل من الإغلاق وإعادة الفتح تقع على العمال الموجودين على الهوامش الاقتصادية، أي العمال ذوي الأجور المنخفضة، وعمال عقود العمل قصيرة الأمد، و«عمال البقشيش» الذين يجنون أقل من الحد الأدنى للأجور. وإذا كانت الديناميات الأميركية فريدة من نوعها، فإن العبء الاقتصادي للوباء في كل مكان يقع على العمال المهمشين، مما يكشف بعض جوانب عدم الاستقرار وعدم المساواة في الرأسمالية العالمية. 
هذا هو واقع الحال في غانا، البلد الواقع في غرب أفريقيا، حيث يشارك أكثر من 80 في المئة من السكان في اقتصاد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسواق الهواء الطلق والحافلات الصغيرة التي نجدها في المدن عبر بلدان الجنوب. مثل هذه الوظائف تتقاسم في الواقع العديد من أوجه الشبه مع القطاعات الاقتصادية المنظَّمة على نحو فضفاض واقتصادات عقود العمل قصيرة الأمد في الولايات المتحدة. فهوامش ربحها الصغيرة الضيقة جداً تعتمد على تفاعل وثيق بين أعداد كبيرة من الناس، ما يشكّل تحدياً لتوصيات التباعد الاجتماعي. والواقع أن كلا من حيوات العمال في هذه القطاعات ومداخيلهم في خطر. 
وإذا كانت الحكومة الغانية قد وفّرت بعض الدعم الاجتماعي في بداية الوباء، مثل تعليق فواتير الماء والكهرباء وتخفيف القيود البنكية والقيود على الأموال المنقولة، فإن هذه الأشياء لم تفعل الكثير لحماية الأشخاص الأكثر هشاشة في البلاد. بيد أن تاريخ غانا يُبرز كلا من الظروف البنيوية التي تزيد من هشاشة هؤلاء السكان –وخاصة في أوقات الأزمة– والابتكار القوي الذي يجعل هذه الأنشطة الاقتصادية على مستوى قاعدة المجتمع ناجحة.
وتُعد غانا من الاقتصادات الأسرع نمواً في أفريقيا، في ظل زيادات في نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك الخاص والإنتاج الصناعي، دعمها جزئياً اكتشاف النفط في عام 2007. وقد نمت بعض أجزاء الاقتصاد بشكل دراماتيكي، وخاصة في قطاعي الخدمات والسياحة حيث وسّعت الاستثمارات الأجنبية، مثل مبادرة «عام العودة» الأخيرة في غانا في 2019، الفرص لغانيي الطبقة الوسطى. 
ومع ذلك، فإن ما يصل إلى 91 في المئة من النساء و80 في المئة من الرجال ما زالوا يعملون كحرفيين وتجار وسائقين وباعة متجولين وبائعي للطعام المطهي. هذا بينما يشغِّل آخرون المطاعم والمقاهي المحلية، التي تُعد أسعارها في متناول معظم الغانيين مقارنةً مع المقاهي والمراكز التجارية التي لا ترتادها سوى الطبقة الوسطى في آكرا. 
في الأزمة الحالية، يُستهدف هؤلاء العمال من جديد في النقاشات حول المصلحة العامة. فالأنظمة التي أُدخلت من أجل ضمان اتّباع سائقي الحافلات الصغيرة («تروترو») توصيات التباعد الاجتماعي، تُلزم السائقين أنفسهم بدفع رسوم. وفي الآونة الأخيرة، احتج الحمّالون على غياب الدعم والحماية الحكوميين في الأسواق الحضرية، إذ أنهم مطالَبون باقتناء كمّامات ليرتدونها رغم تقلص أجورهم الهزيلة أصلا. 
بيد أنه في انتقاد هذا العمل، يفشل المسؤولون الحكوميون وأعضاء الجمهور على حد سواء في استحضار الظروف التاريخية التي أنشأت هذه القطاعات ويعرّضون العمّال الذين يوجدون في وضع هش أصلا لقدر أكبر من الخطر. والأكثر من ذلك أن هؤلاء العمال يقومون مرة أخرى بتطوير ردود مبتكرة، ناتجة عن كل من الضرورة والعبقرية العلمية التقنية، تؤثر على شكل استراتيجيات الصحة العامة الوطنية عبر القارة، مثلما أشارت «آفاوا هرتش» و«جينا مور» و«نانجالا نيابولا» في تقريرهن في «واشنطن بوست». والواقع أن الكيفية التي يتدبر بها الناس أمورهم في ظل القليل من الإمكانات، مستخدمين الحلول المنطقية وبدائل التكنولوجيا المنخفضة لتجنب انتشار المرض، ينبغي أن يثير انتباهاً أكبر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث توجد صراعات مستمرة لتوسيع الوصول إلى الاختبارات والحد من انتشار المرض. 
إن الإقرار بهذه الإنجازات لا ينفي وجود تحديات حقيقية. فوجود واستمرار عمل مطلوب، لكنه غير مقدَّر، بل مجرَّم، وينبغي أن يدفعنا للتفكير بخصوص أشكال عدم المساواة والعيوب في الأنظمة والنماذج السائدة للتنمية الاقتصادية على الصعيدين المحلي والعالمي. وإذا كانت أسواق الهواء الطلق والحافلات الصغيرة كثيراً ما يشار إليها باعتبارها رموزاً للفقر والبنى والبرامج التنموية الفاشلة في أفريقيا، فإن العمال في هذه الفضاءات يواجهون الظروف نفسها التي يواجهها عمال أميركا «الأساسيون»: الأجور المنخفضة، الهشاشة الاقتصادية، التفاوتات الصحية، الوصول غير المتساوي إلى الرعاية الصحية، والظروف البيئية غير الآمنة، والوصول المحدود إلى الموارد الأساسية مثل الماء والطعام الصحي، رغم أن العمل الذي يقومون به يضمن قدرة بقية المجتمع على الاشتغال. إنها مشاكل عالمية تتطلب منا النظر إلى أبعد من مجتمعاتنا في الوقت الراهن، من أجل التفكير بشكل نقدي حول سبب بُنانا وأوضاعنا الحالية. وحينها فقط قد نستطيع إيجاد بدائل ممكنة.

*أستاذة التاريخ في «واين ستايت يونيفرستي» -ديترويت 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»