بعد أزيد من ستة أشهر على إعلان حالة الطوارئ العالمية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم غيبريسوس» أن «هذه الجائحة أزمة صحية لا نشهد مثلها سوى مرة كل قرن، وسنشعر بآثارها لعقود‏»‬. ‬وإذا ‬صح ‬كلامه، ‬فإن ‬سنواتٍ ‬عجافاً ‬ستنتظر ‬الدول ‬والشعوب ‬في ‬المجالات ‬الاقتصادية ‬والاجتماعية ‬والتعليمية ‬وغيرها.
وحتى كتابة هاته الأسطر، فقد أصيب 17.6 مليون شخص في العالم بالفيروس الذي تسبب بوفاة ما لا يقل عن 680 ألف شخص، والولايات المتحدة هي الدولة الأكثر تضرراً حسب عدد الوفيات والإصابات؛ إذ سجلت نحو 163 ألف وفاة، تليها البرازيل بنحو 102 ألف وفاة، فالمكسيك التي سجلت نحو 53 ألف وفاة، تليها بريطانيا بنحو 47 ألف وفاة. ‬وتخطت ‬كولومبيا ‬عتبة ‬12 ألف ‬وفاة. ‬وفي ‬اليابان، ‬أعلِنت ‬حالة ‬الطوارئ ‬في ‬منطقة ‬أوكيناوا ‬السياحية ‬بعد «‬الانتشار ‬الحاد» ‬لفيروس ‬كورونا، ‬ودُعي ‬السكان ‬إلى ‬حجر ‬أنفسهم ‬في ‬المنازل ‬لمدة ‬أسبوعين. ‬وفي ‬هونغ ‬كونغ، ‬جرى ‬افتتاح ‬مستشفى ‬يضمّ ‬500 ‬سرير ‬لاستقبال ‬المصابين ‬بكوفيد-19، ‬مع ظهور ‬موجة جديدة ‬من الإصابات.
وحذّرت دراسة أعدتها منظمتا «اليونيسف» و«سايف ذي تشيلدرن» ونُشرت مؤخراً، من أن التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا ‬قد ‬تدفع ‬ما ‬يصل ‬إلى ‬86 ‬مليون ‬طفل ‬إضافي ‬إلى ‬حافة ‬الفقر ‬بحلول ‬نهاية ‬العام الجاري. ‬ووفقاً ‬للدراسة ‬التي ‬استندت ‬إلى ‬تقديرات ‬البنك ‬وصندوق ‬النقد ‬الدوليين، ‬وإلى ‬معطيات ‬ديموغرافية ‬في ‬حوالي ‬مائة ‬دولة، ‬فإن ‬إجمالي ‬عدد ‬أطفال ‬الكوكب، ‬الذين ‬يعانون ‬من ‬الفقر، ‬سيبلغ ‬بحلول ‬نهاية ‬هذا ‬العام نحو ‬672 ‬مليون ‬طفل، ‬بزيادة ‬15 ‬في ‬المائة، مقارنة بالعام الماضي. وأوضحت الدراسة أن ثلثي هؤلاء الأطفال، تقريباً، يعيشون في دول أفريقية تقع جنوب الصحراء الكبرى، ودول أخرى في ‬جنوب ‬آسيا، حيث يهدد ‬حجم ‬الصعوبات ‬المالية ‬التي ‬تواجه ‬الأسر ‬كل ‬الإنجازات ‬المحرزة ‬خلال ‬السنوات الماضية ‬في ‬مجال ‬الحد ‬من ‬فقر ‬الأطفال.
وفي الوقت الحالي، تتخذ السلطات في دول العالم كله خططاً صحية لمواجهة أي موجة ثانية لوباء فيروس كوفيد-19، بدءاً بإجراءات الوقاية من انتشار الفيروس، عبر احترام مسافة التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات الواقية، وغسل الأيدي وتعقيمها. ‬وإلى ‬جانب ‬ذلك، ‬جعلت ‬تلكم ‬الدول ‬من ‬إجراء ‬الفحوص ‬الطبية ‬على ‬نطاق ‬واسع ‬للكشف ‬عن ‬الإصابات ‬المحتملة، ‬أولوية، ‬وأيضاً ‬توفير ‬كل ‬المستلزمات ‬الصحية ‬اللازمة ‬لمواجهة ‬أي ‬طارئ، ‬فضلاً عن ‬توفير المعقمات ‬والتحاليل ‬الطبية ‬والكمامات الواقية ‬بشكل ‬كاف. 
ولمواجهة وباء يصعب حصره، تجدد السلطات التدابير الصحية بشكل مثير للانتباه. ففي بريطانيا، قررت الحكومة إرجاء المرحلة المقبلة من رفع تدابير الإغلاق لأسبوعين على الأقل، بعدما كانت مقررة في هذه الأيام. ‬واتخذت ‬دول ‬أوروبية ‬تدابير ‬حجر ‬حيال ‬دول ‬أخرى، ‬أو ‬منطقة ‬في ‬الاتحاد ‬الأوروبي، ‬كبريطانيا ‬حيال ‬إسبانيا، ‬بسبب ‬عودة ‬تفشي ‬الوباء، ‬مما ‬فاجأ ‬آلاف ‬السياح ‬الذين ‬كانوا ‬في ‬البلاد. وانتقد ‬قطاع ‬الطيران ‬القيود ‬على ‬السفر «‬غير ‬المتناسقة» ‬في ‬الاتحاد ‬الأوروبي «‬التي ‬تقوض ‬ثقة ‬المستهلكين»‬. ‬ومن ‬جهة ‬أخرى، ‬وافق ‬طيارو ‬شركة «‬بريتيش ‬إيرويز» ‬على ‬خطة ‬تنص على ‬خفض ‬مؤقت ‬للرواتب ‬بنسبة ‬20 ‬في ‬المئة، ‬لوضع ‬حدّ ‬لعدد ‬المصروفين ‬منهم، ‬بحيث ‬يقتصر ‬على ‬270. وفي ‬فرنسا ‬صار ‬بإمكان ‬المسؤولين ‬المحليين ‬توسيع ‬نطاق ‬قرار ‬وضع ‬الكمامات، ‬حتى ‬في ‬الخارج. 
حاصل القول، هو أن هذا التسونامي الصحي الذي يعصف بأوروبا وبالعالم، بدأ يترك تداعيات جسيمة على حياة البشر واقتصاديات دولهم، وبدأت تتغير أمور كثيرة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وطبياً، وأصبحت الصحة والاستثمار في هذا المجال من أولويات الدول بأسرها، وبدأت علاقات الدول تتغير فيما بينها، وعلاقة الأفراد بالمجتمعات وبالطبيعة، ونوعية العلاقات داخل المجال السياسي العام. ورغم ما نسمعه من تعافٍ لبعض الاقتصادات في بعض المجالات، فإن القيود الصحية والبلبلة المتواصلة في سلاسل الإنتاج والتوريد، ستعيق أي انتعاش اقتصادي حقيقي، كما أن بعض القطاعات الاقتصادية المهمة، مثل الفنادق والمطاعم وتنظيم الفعاليات الثقافية، ستبقى متوقفة أو شبه متوقفة، ناهيك عن أن حركة النقل الجوي الدولي لن تتعافى إلا بعد مرور سنوات، وشريطة ألا تشهد البشرية موجات جديدة من الفيروس، ولله الأمر من قبل ومن بعد.