أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوم الثلاثاء الماضي، «مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية»، وبذلك يُضاف صرح بحثي جديد في المجال الطبي إلى شبكة مهمة من المراكز والمؤسسات البحثية في الدولة.
وقد أدركت دولة الإمارات، منذ وقت مبكر، ضرورة إقامة المراكز والهيئات البحثية المتخصصة، إلى جانب تكوين الكوادر البحثية وفرق البحث العلمي، خدمةً للنهوض بالبحث العلمي، ورغبة في تطوير المشاريع العلمية المتعددة، ودورها في إسعاد المجتمع، وفي بناء اقتصاد معاصر قائم على أحدث المعارف والابتكارات. لكن، لماذا لم تسر كل الدول العربية على هذا النهج، رغبةً في إزالة العقبات الاجتماعية والإدارية والفكرية والثقافية التي تقف في طريق النهضة العلمية والصناعية العربية؟
مجلة «ناشيونال جيوجرافيك العربية» بيّنت، في عددها لشهري يوليو وأغسطس 2020، الواقعَ الذي تعيشه بعض الدول العربية في الميدان العلمي، كما أظهرته على حقيقته جائحة «كوفيد-19». فمنذ عقود والباحثون في الشأن العلمي يحذرون من تفشي هذا المرض وخطورة انتشاره السريع، لكن لم يكن هناك في العالم العربي باحثون بمقدورهم قراءة هذه التحذيرات وغيرها من التنبؤات العلمية المهمة، أو حتى متابعة التقارير الواردة حولها، ووضع الحلول للوقاية من شرور التطورات القادمة، أو إيجاد رؤية استراتيجية واعية بهذا الجانب وبخطورته في جميع مجالات الحياة.
لقد حذّر ستيفن مورس (أستاذ علم الأوبئة)، ومعه علماء آخرون، قبل أكثر من 30 عاماً، من ظهور سلالات جراثيم ذات تأثيرات فتاكة على صحة البشر، على نحو غير مألوف، وذلك بتأثير من التغيرات التي يشهدها المجتمع.. وذكروا في تحذيراتهم أهم الأسباب:
1- التغيرات المناخية.
2- توسع المشروعات الحضرية.
3- قرب البشر من حيوانات المزارع والغابات التي تمثل حاضنات لأنواع الفيروسات.
4- سهولة السفر والتنقل، براً وجواً وبحراً، بين دول العالم.
5- حركة اللاجئين وموجاتهم المتجهة من الجنوب نحو الشمال.
6- الحروب والمجاعات التي عرفها ويعرفها العالم المعاصر.
وأضاف ستيفن مورس وفريقه، أنهم يشعرون بإحباط كبير، لأن البشرية لم تكن على استعداد تام لهذه التغيرات العلمية والصناعية والديموغرافية والبيئية، ولأنها لا تزال منغمسة في تجاهل ذلك بأسره. وأشاروا إلى عبارة مهمة قالها أحد خبراء الإدارة، حين تساءل: ما أسوأ خطأ يمكن للإنسان ارتكابه؟ ثم أجاب على تساؤله بالقول: «أن يكون محقاً قبل الوقت المناسب».
وكان أحد علماء البيولوجيا الجزيئية واضحاً وصريحاً حين قال قبل عدة عقود، إن الفيروسات سوف تكون أكبر تهديد لاستمرار هيمنة الإنسان على هذا الكوكب.
إن عدم وجود أشخاص لديهم الفكر المستقبلي والرؤية الاستراتيجية العميقة، هو الذي جعل كثيراً من الدول والمجتمعات تعاني مصاعب اقتصادية غير مسبوقة، وتئن تحت وطأة المرض في ظل الجائحة الحالية.
إن بمقدور البشر الحيلولة دون حدوث الجوائح ومنع انتشارها والقضاء عليها، فقط إذا ما توفرت لديهم القدرة على التنبؤ المستقبلي، علاوة على العزيمة والإرادة الخلاقة، وهو ما تتصف به منهجية دولة الإمارات في تطوير البحث العلمي وتوسيع بنيته التحتية باستمرار ودون توقف.