ليست المبادرات الإنسانية بجديدة على دولة الإمارات العربية المتحدة، التي حرصت منذ قيامها على إرساء مفهوم فعل الخير، انطلاقاً من قيم عربية وإسلامية وتقاليد مغروسة في البنية النفسية للفرد والمجتمع تُعلي من شأن الكرم والعطاء، ظلت فاعلة وحيَّة، على الرغم من العسر المادي قبل قيام الدولة، ثم أتيح لهذه القيم أن تُطوَّر كماً وكيفاً مع إنشاء الدولة وما نجحت في تحقيقه من ازدهار وتنمية، وتُترجَم في صورة مبادرات إنسانية واسعة ومستمرة، استحقت احترام العالم وتقديره.
وكان العالم على موعد مع مبادرة إماراتية جديدة، الأربعاء الماضي 12 أغسطس 2020، أشاد بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وهي مبادرة «ووترفولز»، التي تُنفَّذ بمتابعة وإشراف الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. وهذه المبادرة هي الكبرى من نوعها في العالم، حيث تهدف إلى توفير تدريب تخصصيّ لنحو مليون من العاملين في القطاع الطبي عبر العالم، من أطباء وممرضين ومسعفين وفنيين، وخبراء صحيين وإداريين في قطاع الخدمات الطبية، وعاملين في قطاع الإغاثة الإنسانية في مناطق الأوبئة والكوارث الصحية، لرفع كفاءتهم وتنمية قدرتهم على مواجهة التحديات الصحية الكبرى، وبشكل خاص فيروس «كوفيد-19» الذي اجتاح العالم، مُخلِّفاً وراءه أضراراً غير متوقَّعة وغير مسبوقة.
وتعكس «ووترفولز» تحولاً نوعياً ملحوظاً في طبيعة المبادرات الإنسانية لدولة الإمارات في السنوات الأخيرة، فأولاً: لم يعُد الأمر مقصوراً على تقديم مبالغ مالية ضخمة، أو مساعدات عينية، بل أصبحت المبادرات تعتمد على أفكار مبتكَرة تضمن تعظيم المردود إلى أقصى حدٍّ ممكن. والأمر الثاني هو ضخامة مبادرات الإمارات واتساع نطاقها والأهداف الكبيرة التي تتطلَّع إليها، كما في مبادرة «ووترفولز» المليونية. وليس ذلك غريباً على دولة اعتادت خوض التحديات الكبرى، وألغت من قاموسها كلمة المستحيل. والأمر الثالث هو أن المبادرة تقوم على أساس صلب من المعرفة والتقدُّم العلمي اللذَين حققتهما الدولة، وعلى فاعلية المؤسسات الوطنية القادرة على إدارة العمل في هذه المبادرات وتوجيهه نحو المسارات الملائمة بكفاءة، وهو ما يجعل المؤسسات الإماراتية تحتل موقع القيادة، حيث أكدت التجارب السابقة كلها أنها الأقدر على تلبية التطلُّعات وتحقيق الأهداف المنشودة.
والأمر الرابع هو تكريس المبادرة فكرةَ التعاون العالمي، وحشد جهود المؤسسات في دول مختلفة، عبر العالم، لتحقيق هدف يفيد الجميع ويفيد الإنسانية، حيث يشارك في تنفيذ المبادرة 67 مؤسسة علمية وطبية وأكاديمية من مختلف دول العالم، ونحو 140 طبيباً وخبيراً. ويعود ذلك إلى إيمان دولة الإمارات بالعمل الجماعي الذي يسمح بإدراك المشتركات، ويتيح مساحات للتقارب والتفاهم بين مختلف الشعوب والثقافات، ويرسخ التسامح وقبول التعددية والتنوع الإنساني والحضاري.
والأمر الخامس يتعلق بموضوع المبادرة من جهة، وتوقيتها من جهة ثانية، فموضوع المبادرة هو تعزيز مواجهة التحدي الأكبر للعالم في الوقت الحالي، ونعني فيروس «كوفيد-19» الذي يواصل حصد الأرواح، وشلَّ الاقتصادات، وفرض القيود الصعبة على كل الأنشطة الحياتية، ولا يقلُّ التوقيت أهميةً، إذ يترقب العالم موجة ثانية من الإصابات، ولا يُعتقد أن الأزمة ستنتهي عمَّا قريب، وهو ما يجعل تدريب الكوادر الطبية - خط الدفاع الأول ضد الفيروس - تحقيقاً لمطلب يلحُّ على الإنسانية كلها. 
وأخيراً، فإن هذه المبادرة تعكس القدرة على تقديم الأفكار التي يستمر أثرها الإيجابي طويلاً، فالتدريب الذي سيحصل عليه المختصون في القطاع الصحي سيبقى رصيداً علمياً ومهنياً حتى بعد انتهاء «كوفيد-19»، يسهم في إنقاذ ملايين الأرواح، وتقديم رعاية صحية إلى ملايين الناس من كل أنحاء العالم.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية