عندما كنت أتصفح الصحف والمواقع الأميركية، كعادتي كل صباح، فاجأتني مقالة بعنوان: «لماذا أريد أن يخسر بايدن أكثر مما أريد فوز ترامب» للكاتب برنارد غولدبرغ، الذي على الرغم من وصفه بأنه محافظ، فإنه يرفض ذلك بشدة، ويعتبر نفسه ليبرالياً، على غرار المثل العليا للحزب «الديمقراطي» في الستينيات. فقد ذكر الكاتب: كما يعلم قرائي، لست من محبي دونالد ترامب، «أنا لا أحب نرجسيته»، لكن مع ذلك يتمنى الكاتب فوزه بأغلبية ساحقة. 
قد يتعجب القارئ من هذا الموقف، فكيف يمكن للكاتب أن يمقت رئيساً لهذه الدرجة وفي الوقت نفسه، يتمنى فوزه؟ فهذا ليس له إلا تفسير واحد، وهو أن تخوفاته من فوز جو بايدن تفوق ترامب بكثير، وهذا بالفعل ما حاول الكاتب أن يشرحه بأن «بايدن»، هو مرشح ليس لديه فكرة عما يمثله. فريقه السياسي يضع الكلمات في فمه، وهو يحاول تكرارها، لكي لا ينسى ما يتحدث عنه وفي حال فوزه، الذي سيهمن على الإدارة اليسار «الديمقراطي». 
ثم استرسل الكاتب، وذكر: عندما يقول «بايدن» إنه إذا فاز فسيكون أحد أكثر الرؤساء تقدماً في تاريخ الولايات المتحدة، فلنلقي نظرة على ما هو المعني بمستقبل تقدمي. فمنذ شهرين ونحن نشاهد الفوضى والدمار في بورتلاند، وغيرها من المدن التي يديرها «الديمقراطيون»، ومع ذلك لم يقف أحد من الحزب «الديمقراطي»، ويدين العنف بجدية، لأنهم يخشون رد فعل عنيف من الجناح اليساري المتشدد للحزب. فهذا الجناح يعتقد أن الشرطة هي العدو، وليس مثيري الشغب، الذين يطلق عليهم «المتظاهرين السلميين».
إن الكثير من المنتمين للحزب «الديمقراطي» لا يرون الحزب يمثلهم، وهذا ما حاول توضيحه الكاتب، فالحزب لا يهتم بأشخاص مثله لا يريدون أموال الضرائب الخاصة بهم تدفع لتكاليف الرعاية الصحية الشاملة المجانية للمهاجرين، الذين يتسللون إلى البلاد بشكل غير قانوني، ومنح المساجين المدانين حق التصويت، وتكميم أفواه المعترضين على هذه القرارات، ووصف آرائهم بأنها خطابات كراهية وعنصرية. 
إن الإشكالية الكبرى، حسب ما ذكره الكاتب، ليس بين الحزب «الديمقراطي» و«الجمهوري»، الذي له عيوبه أيضاً، بقدر الخلل في الحزب «الديمقراطي» نفسه. فالحزب في السابق كان خليطاً من «المحافظين» و«الوسطيين» و«اليسار»، وكانت تغلب عليه الوسطية، أما الآن فالمهيمن عليه أقصى اليسار، لذلك لم يعد يمت إلى ناخبيه التقليديين بصلة. فما نراهم الآن أغلبهم من اليسار الاشتراكي مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، لا يشبهون بأي شكل الوسطيين مثل جون كينيدي، أو هوبرت همفري، أو بيل كلينتون. إن هذا الخلل هو الذي دفع الكاتب أن يختم مقالته بهذه الجملة: «ترامب رجل مقيت، لكن أتمنى أن يفوز».
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي