وضعت جائحة كورونا العالمَ في أزمة لم يشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وهي تُعَدُّ الأسوأ في حدَّتها وتداعياتها السلبية التي طالت تأثيراتها البشرية كلها. وعلى الرغم ممَّا يحدث حالياً من تخفيف القيود التي فرضتها الظروف الاستثنائية للجائحة، وإعادة النشاط الاقتصادي تدريجياً في معظم الدول، فإن الواقع يؤكد أن المشكلة لا تزال قائمة في ظل تصاعد أعداد المصابين والوفيات يوماً بعد آخر، وعدم وجود لقاح ضد الفيروس. وبينما تتسابق مختبرات البحوث والأدوية العالمية لإنتاج لقاح ينقذ العالم من هذه الأزمة الصحية، تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة بفاعلية في الجهود الخاصة بالتوصل إلى اللقاح المنشود.
وكانت دولة الإمارات سبَّاقة في عملية البحث والدراسة والمشاركة في الجهود الدولية للوصول إلى لقاح فعَّال في أسرع وقت ممكن، ومن هذا المنطلق تعمل مؤسسات الدولة المعنية حالياً على تطوير لقاح غير نشِط بالشراكة بين مجموعة 42 في دولة الإمارات، وشركة سينوفارم الصينية، تحت إشراف دائرة الصحة في أبوظبي. وقد وصلت جهود إنتاج اللقاح إلى مرحلة متطورة، ومن المتوقَّع أن تكون هناك نتائج إيجابية ملموسة في نهاية العام الجاري. وقد أعلنت الجهات المسؤولة في الدولة مؤخراً البدء في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، التي تشكل نقطة حاسمة في الوصول إلى اللقاح، حيث من المتوقع أن تليها مرحلة البدء في عملية إنتاج اللقاح إذا ما تم نجاح هذه المرحلة من التجارب السريرية.
والحاصل أن دولة الإمارات نجحت في إثبات قدرتها على مواجهة فيروس «كوفيد- 19»، من خلال الإجراءات الاحترازية، والإنجازات الصحية النموذجية التي اتبعتها، ولم تكن الجهود التي بُذِلَت للتوصل إلى اللقاح إلا حلقة في سلسلة نجاح حققتها الدولة في هذا السياق، حيث عكفت الجهات المعنية على إجراء ما يزيد على 58 دراسة بحثية لفهم طبيعة الفيروس، والأسباب الجينية الخاصة باختلاف حالات الإصابة بين شخص وآخر، كما وفَّرت دولة الإمارات العلاج بالخلايا الجذعية في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، الذي ثبتت فاعليته من خلال تجربته على عشرات الحالات، ويستهدف هذا العلاج في الأساس الحالات الحرجة المصابة بالفيروس، ويُعَدُّ إضافةً إلى الإجراءات العلاجية الأخرى المتَّخَذة.
ولم تكن جهود دولة الإمارات في تعزيز احتواء الفيروس محصورة على الصعيد الداخلي فقط، بل تخطَّت الحدود، ووصلت إلى الصعيد الخارجي أيضاً، فمثلما دعمت الإمارات شعوب العالم عبر المساعدات والإمدادات الطبية التي شملت أكثر من 74 دولة، وسَّعَت شركة جي 42 للرعاية الصحية، التي تعمل على اللقاح المحتمل، نطاق تجاربها في المرحلة الثالثة، لتشمل مركزاً جديداً في البحرين يتطلَّع في الوقت الحالي إلى تجربة اللقاح على أول مجموعة من المتطوعين بالمملكة، في خطوة هادفة إلى تعزيز التعاون الخليجي بين هيئات الصحة بدولة الإمارات والبحرين في التصدي للفيروس، وزيادة عدد الأفراد المشاركين في التجارب السريرية في مرحلة أطلق عليها اسم «حملة من أجل الإنسانية»، وتستقطب هذه المرحلة ما يقارب 6000 متطوع إلى المركز الجديد في البحرين.
إن التقدم الإيجابي، الذي بلغته دولة الإمارات في السيطرة على جائحة «كوفيد-19»، يؤكد المكانة المتقدمة التي وصل إليها القطاع الطبي في الدولة، والجاهزية العالية لكوادرنا الطبية، واستعدادها الكامل لمواجهة الطوارئ والظروف الصعبة منذ بداية الأزمة. ولا شك أن مشاركة الدولة بفاعلية في الجهود الدولية المبذولة لإنتاج اللقاح تؤكد سعي الدولة الدائم إلى ترسيخ مبادئ التعاون على الصعيد العالمي، وفي الوقت نفسه تؤكد مدى الحرص على تعزيز الأمن الصحي، وحماية صحة الإنسان، وهذه المشاركة لا تنفصل عن المساعي المكثفة التي بذلتها الدولة، منذ بداية الأزمة، لمساندة الدول الشقيقة والصديقة، لتجاوز التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تمخَّضت عنها الجائحة.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.