مما لا ريب فيه أن سياسة «التوطين» قد احتلت قائمة أولويات قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها عام 1971، وما زالت حكومة الإمارات، من خلال العديد من الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية، تسعى قدر الإمكان لتوفير المهنة المناسبة لمواطن الدولة في كافة المجالات. ولكن في الوقت نفسه، نلحظ أن تداعيات انتشار جائحة «كورونا – كوفيد- 19»، قد كان لها تأثير كبير على اقتصادات العديد من دول العالم، وخاصة فيما يتعلق بقطاعات الصحة والخدمات الحكومية والأمن الغذائي. ولكن الوضع اختلف في دولة الإمارات العربية المتحدة.
فقد برهن المواطن الإماراتي على صحة رؤية قيادة الدولة، التي استثمرت في بناء رأس المال البشري من المواطنين في أبرز وأهم القطاعات الحيوية. فقد كان، ولا يزال، المواطن هو حجر الأساس لكافة خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتي تساهم، إلى حد بعيد، في بناء قدرات الدولة في مجال الاستعداد لمواجهة الطوارئ والأزمات والكوارث، وبالتالي التميز في الاستجابة لها وقت حدوثها، وتقليل زمن التعافي منها قدر الإمكان. وقد حدث هذا بالفعل منذ شهر يناير الماضي، عند الإعلان عن الإصابة الأولى بفيروس كورونا – كوفيد- 19، وذلك بالتميز الذي أثبته مواطن الدولة في ثلاثة من أبرز قطاعات الدولة. 
فعلى صعيد القطاع الصحي، فقد تفوقت الكوادر الطبية الوطنية في كافة المستشفيات والمراكز الصحية على مستوى الدولة في سرعة الاستجابة لتداعيات الجائحة في الجوانب الصحية، مما كان لجهود الأطباء وعناصر التمريض والفنيين المواطنين أكبر الأثر في التخفيف من آثار الفيروس على صحة المواطن والمقيم. وعلى صعيد الخدمات الحكومية، فقد كان لجهود المواطنين في بناء وتطوير أفضل البنى التحتية التكنولوجية، وخاصة الرقمية منها، الأثر الأكبر في استمرارية الأعمال في جميع قطاعات الدولة، الحكومية والخاصة، بنجاح. أما على صعيد الأمن الغذائي، فقد تميز العنصر المواطن أيضاً، والذي وضع استراتيجية الأمن الغذائي تحسباً لوقت الطوارئ والأزمات عند تعثر جهود استيراد السلع الغذائية الرئيسية. أضف إلى ذلك مبادرة المواطنين من أصحاب المزارع الخاصة لتوفير كافة أنواع السلع الغذائية بالمجان، أو بأسعار مخفضة للغاية، مما كان له أثر بالغ في دعم استراتيجية الأمن الغذائي في الدولة.
وفي الوقت نفسه، لا نستطيع تجاهل جهود كافة المواطنين في القطاعات الأخرى، سواء التعليم، أو الأمن، أو الإعلام، وغيرها من المجالات التي أثبت فيها مواطن الإمارات جدارته وتميزه وقت الأزمات. وبالتالي، فإن ما قام به مواطن الدولة يستدعي دراسة سياسة التوطين من جوانب مختلفة تتناسب وآثار جائحة «كورونا – كوفيد- 19». فالقطاعات الحيوية التي سطع فيها النجوم المواطنون تفرض علينا إعادة النظر في احتياجات سوق العمل لما بعد «كورونا» والتي، بلا شك، قد تبدلت بدرجة كبيرة، وأصبح لزاماً على وزارتي الموارد البشرية والتوطين والتربية والتعليم دراسة مستقبل التوطين خلال السنوات العشر القادمة، من منظور مختلف كلياً عما كانت عليه الأوضاع قبل الجائحة. ونحن هنا لا نقلل من شأن أو أهمية الوظائف الشاغرة المنشور عنها على «بوابة توطين» الخاصة بوزارة الموارد البشرية والتوطين. ولكن المراقب لتلك الشواغر يجدها بعيدة بدرجة كبيرة جداً عن واقع سوق العمل للمواطنين خلال جائحة «كورونا»، وذلك في القطاعات الحيوية المذكورة آنفاً. 

فالأمر يستوجب إعادة النظر في التخصصات الجامعية للمواطنين، وذلك من خلال إرشادهم لتلك التخصصات التي يستطيعون من خلالها أن يلتحقوا بالوظائف التي تحتاجها الإمارات أثناء الأزمات، على أن يتم ضمان حصولهم على تلك الوظائف بعد التخرج، حتى تنجح سياسة التوطين في القطاعات الحيوية.