من المعروف والثابت والمؤكد، أن التطعيمات الطبية تعتبر أكثر الوسائل فعالية في الوقاية من الأمراض المعدية، حيث يقدر أن التطعيمات تنقذ حياة 6 ملايين شخص سنوياً، كما أن عدداً لا يُحصى من الدراسات أثبت أمنها وسلامتها. ولذا يؤمن العلماء والخبراء أن انتشار استخدام تطعيم ضد فيروس الكورونا، يعتبر هو السبيل الوحيد لدحر الوباء الحالي، وهو ما أكدته مؤخراً دراسة نشرت في واحدة من أعرق الدوريات الطبية (The Lancet).
ورغم ذلك، يظهر حالياً جزء لا يستهان به من الأشخاص حول العالم، شكوكاً وقلقاً تجاه التطعيمات التي يتم تطويرها ضد فيروس الكورونا، والتي قد يصبح واحد أو أكثر منها متوفراً للاستخدام في المستقبل القريب. وتتمركز مخاوف هؤلاء حول أربع نقاط أساسية؛ هي: أمن وسلامة التطعيم، وإذا ما كان هناك حاجة للتطعيم، وفقدان الثقة في بعض شركات الأدوية الكبرى، وأخيراً الاعتقاد السائد بين العامة بالشكوك التي تحيط بالعلم والعلماء، واحتمال أن يكونوا على خطأ، حتى ولو عن دون قصد.
ويمكن إدراك حجم القلق تجاه تطعيمات فيروس كورونا الجاري العمل عليها الآن، من نتائج الدراسات المسحية الاستطلاعية. ففي إحدى تلك الدراسات المسحية التي أجريت أونلاين، تبين أن نصف الأميركيين إما مترددون حول إمكانية تلقي التطعيم، أو أنهم قد يرفضونه تماماً. وعلى نفس المنوال، أظهرت دراسة مسحية أخرى أجرتها كلية «كنجز كولدج لندن»، نتائج مشابهة في بريطانيا لنتائج الدراسة الأميركية.
والمشكلة في تزايد انتشار هذه المخاوف والشكوك والقلق بين العامة، أنها ستشكل حجر عثرة وعقبة كؤود في طريق الجهود الرامية لتخليص الجنس البشري من هذا الفيروس اللعين، والقضاء عليه تماماً. فالهدف الأسمى والنهائي للتطعيمات، هو تحقيق ما يعرف بمناعة القطيع، أي أن تتمتع نسبة كافية من أفراد المجتمع بالمناعة، مما يكسر سلسلة انتشار الفيروس ويعيق انتقاله من شخص إلى آخر. وبالنظر إلى أن التطعيمات التي يتم تطويرها حالياً، قد تكون فعالة بنسبة لا تزيد على 75%، وإذا افترضنا أن ثلثي أفراد المجتمع فقط سيتلقون التطعيم، بسبب المخاوف سابقة الذكر، يصبح من المستبعد أن يتم بلوغ هدف مناعة القطيع داخل المجتمع.
وبالفعل، أظهرت دراسة أجرتها جامعة هامبورج الألمانية في يونيو الماضي، أنه على الأقل لا بد من تطعيم ما بين 71 إلى 74 في المائة من سكان القارة الأوروبية والولايات المتحدة، حتى يتم بلوغ حالة مناعة القطيع المجتمعية. وبالنظر إلى نتائج الاستطلاعات المسحية، عن مدى رغبة الكثيرين في تلقي التطعيم، يبدو أنه لن يمكن تحقيق هذه النسب، مما يحمل في طياته خطر أن يظل هذا الوباء مستمراً لسنوات قادمة.