هل غيرت دولة الإمارات العربية المتحدة حال ومآل منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد إعلانها عن بدء مسيرة علاقات اعتيادية مع إسرائيل؟ جاء الإعلان الإماراتي- الإسرائيلي كطاقة ضوء، وحبل من أمل يمكن للجميع أن يرى على هديه، ويسير في دربه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي، من أجل إعادة استئناف المفاوضات والتوصل إلى حل الدولتين، فقد أعطى قرار إسرائيل وقف سيناريو الضم فسحة من الأمل لا شك في ذلك.
الإمارات بلد سيد قراره، وله أن يختار كما فعل غيره، أي درب يسلكه، وقد فضل سلوك طريق البراجماتية المستنيرة، غير النرجسية، فالأخيرة تتمحور حول الذات في أطر من الأنانية التي لا تفيد، فيما الأولى تبحث في فضاءات الخير العام، الذي ينعكس عليها أول الأمر، انطلاقاً من أن المحبة المترتبة تبدأ بالذات ثم يفيض على الآخرين برداً وسلاماً.
أنفع وأرفع فائدة يمكن أن ترتد على الإماراتيين وعلى عموم العرب والمسلمين من هذا الاتفاق، هي تغيير الصورة النمطية التي رسمها أعداء العرب منذ العام 1948 وحتى الساعة، وخلق رأي عام داخل إسرائيل، وبالقدر نفسه في الولايات المتحدة الأميركية، داعم للتحركات العربية، وللحقوق الفلسطينية من خلال التواصل مع الآخر عبر تحفيز المثل العليا والقيم الإنسانية داخله، وفي مقدمها إحقاق الحقوق، وهذا جل ما يبغيه الشعب الفلسطيني.
فوائد الطرح الإماراتي أنه ينقل الملايين من العرب من مقام الجهل إلى مقام الوعي، ومن مقام التلقي إلى مقام الترقي، ويفتح أعين ملايين آخرين على المستقبل الذي يحبه المغامرون، ويحاول قطع أوصال الماضي الذي يدمنه المستسلمون، والمنقادون التابعون.
الخطوة الإماراتية لا تضع الشعوب العربية فحسب أمام استحقاقات «مائة عام جديدة في الشرق الأوسط» إنْ جاز القول، بل يضع الإسرائيليين أنفسهم أمام حقيقة متجددة، وهي أن هناك الملايين من العرب يريدون حياة طبيعية من غير كراهية أو أحقاد تاريخية، وهذا مكسب عظيم للإسرائيليين أنفسهم، مكسب يغنيهم عن حياة «الجيتو» الإسرائيلي الكبير الذي يعيشون فيه، وسط طوفان بشري عربي.
الذين تابعوا ردات الفعل في الداخل الإسرائيلي، ربما هالتهم نتيجة استطلاع رأي منذ يومين، أشارت فيها العينة المستطلعة آراؤها إلى أن 80% من الإسرائيليين يفضلون وقف مشروع الضم، في مقابل إعلان السلام مع الإمارات...هل تكفي هذه القراءة الأولية لإعطاء إشارة إيجابية لقادم الأيام؟
المنفعة الذاتية المستنيرة التي نحن بصددها تخبرنا بأن الإمارات ستجد طرقاً جديدة إلى قلب الولايات المتحدة الأميركية، تفتح أمامها أبواباً موصدة، لا سيما في مجالات الأمن والتسليح.
معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تهدف إلى النماء والتعاون في مجال الصناعة والزراعة والبحث العلمي والأمن السيبراني، ما يفتح أبواب العيش الكريم أمام الأجيال الإماراتية والعربية في المستقبل القريب والبعيد. حكما ستكون الخطوة الإماراتية لبنة رئيسة في طريق السلام الجمعي في الشرق الأوسط، وعلى إسرائيل في كل الأحوال أن تكون قادرة وراغبة على العمل في نفس الاتجاه.
معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل كود أخلاقي جديد في الشرق الأوسط.