كثرتْ المبادرات السياسية التي (تريد) حل الأزمة الليبية، ولا يزال هنالك المزيد منها في الطريق، فليبيا اليوم تقف على مفترق طريقين لا ثالث لهما: إما أن تكون ليبيا لشعبها الذي يريد بناء دولته بما يقتضي أن تكون عليه الدولة العصرية، ويضمن لها استقلالها وسيادتها، وبسط سيطرتها على كامل أراضيها، وإما أن تصبح أرضاً مشاعاً، بمقدور أي لاعب من خلف البحر أو المحيط، أن يدخلها لينهب ثرواتها ومقدراتها. وإذا ما استثنينا المبادرة العربية المصرية ذات الصدقيّة العالية لجهة شمولية توجهها، إذ مثلت مطالب كافة الأطراف السياسية الفاعلة على الأرض، وقطاعات واسعة من مكونات الشعب الليبي والقبائل منها خاصة، وأنها الوحيدة بين المبادرات السابقة واللاحقة، التي بالإمكان البناء عليها لحلحلة الأزمة الليبية بالاتجاه الصحيح. وهذا ما جعلها تحظى بموافقة أممية وأطراف دولة وازنة.. باستثنائها، فإن بقية المبادرات - مع احترام النوايا - لا تخلو من كمائن سياسية، أو ألغام، مما يجعلها في النتائج ليست لصالح الشعب الليبي والدولة الليبية. وكمثال، لنأخذ المبادرة الألمانية الأخيرة، ففي الوقت الذي تشترط فيه وقف إطلاق النار، وهو مطلب سياسي عام، فإنها تقترح (مشروعاً) بجعل الجفرة وسرت منطقة منزوعة السلاح، ما يعني عملياً التمهيد لتقسيم ليبيا إلى شرق وغرب، وبمرور الزمن، ستكتسب الفكرة أفقاً أبعد، بحيث تكون هنالك دولتان (ليبيا الشرقية وليبيا الغربية). وهذا يذكرنا بما حدث في الحرب الكورية 1950، التي تدخلت أميركا فيها إلى جانب الطرف الجنوبي من كوريا، والاتحاد السوفييتي السابق إلى جانب الطرف الشمالي منها، وحينما تبين للاعبين أن الحرب خرجت على السيطرة لتحصد أرواح 5 ملايين كوري، ارتأت القوتان الأعظم بعد ثلاث سنوات على الحرب، أن الوقت حان لوقفها بهدنة أولاً، يعقبها ثانياً إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين حدودين، والحقيقة الُمرة هي أنهما رسما بذلك خريطة لدولتين كوريتين، كانتا قبل الحرب دولة واحدة. أما المبادرة الأخيرة، التي جاءت بضغط دولي أميركي روسي، وكنتيجة يخرج بها أي محلل، بصرف النظر عن الألفاظ المستخدمة فيها، فإن دعوة «حكومة الوفاق» إلى خروج كل القوى الأجنبية من ليبيا، هي دعوة على الأرجح مضللة وتضمر عكس ما يعنيه البيان في ظاهرة ومجمله. فبحسب الإحاطة الصحفية اليومية للجيش الوطني الليبي، نحن أمام خطة تركية للهجوم على القوس النفطي، بعد رصد تحركات لقطع حربية تقترب من المنطقة.

*إعلامي وكاتب صحافي