لتتسم توجيهات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها ترسم مسارات واضحة للتقدم على طريق المستقبل. وهكذا كانت كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن ملفي الأمن الغذائي والمائي في الدولة، حيث قال سموه: «الملف حيويٌّ لاستقرار التنمية في بلدنا، ودور الأفراد مهم جداً في الاقتصاد في مواردنا المائية والغذائية، لا نسرف ولو كنا على نهرٍ جارٍ». وذلك إثر اجتماع عُقد يوم الأحد الماضي برئاسة سموه، على خلفية التشكيل الوزاري لحكومة الإمارات لمرحلة ما بعد كوفيد-19، خُصص للاطّلاع على خطة العمل الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي والمائي في الدولة.
وفي استشهاد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، بالحديث النبوي الشريف دليل على أن ترشيد الاستهلاك خُلق إسلامي أمر الله تعالى بالتزامه، وحث عليه رسوله الكريم. وقد سبق لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، أن حذَّر من الإسراف، في أثناء تعليق على محاضرة بمجلس سموه في السابع من مايو 2020، قال فيه: «إن عادة الإسراف لا تتوافق مع ديننا الإسلامي». موضحاً أن «الأمن الغذائي منظومة متكاملة لا تتعلق بإنتاج الغذاء فقط، إنما بثقافة التعامل معه، وأن ثقافة المحافظة على مواردنا بمختلف أنواعها من مياه ومصادر غذاء وغيرها تعدُّ جزءاً أساسياً من استراتيجية الأمن الغذائي في الدولة».
ويجدر بنا أن نلاحظ أن كلمتَي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، قد أكَّدتا أهمية الدور المحوري للأفراد في تعزيز النجاح الذي حققته إدارة ملفي الأمن الغذائي والمائي في الدولة، وأن إسهامهم فيها واجب ديني ووطني، من شأنه أن يضيف الكثير إلى قوة بلدهم وحصانته. وإذا كانت الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك مفيدة في الأوقات كلّها، فإن جائحة «كوفيد-19» قد أضفت عليها أهمية أكبر، وكشفت عن فوائد جديدة لها.
والاهتمام بالأمن الغذائي والمائي ليس جديداً في الدولة، فهناك استراتيجية متكاملة للأمن الغذائي، تمثل تتويجاً لجهود استمرت عقوداً هي «الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051»، وهناك كذلك «استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036». وقد عززت الاستراتيجيتان نجاحهما خلال أزمة كورونا، فلم تشهد الدولة أي مشكلات تتعلق بتدفق الإمدادات والمواد الغذائية. وكان دمج الملفين ليكونا تحت إشراف وزارة دولة واحدة استجابة سريعة لتحديات «كوفيد-19»، ناجمة عن فهم العلاقة الوثيقة بينهما، والفوائد التي تترتب على معالجتهما في إطار موحَّد. وقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، عن هذا الإدراك بقوله: «إن أزمة كورونا العالمية أعطتنا رؤية أشمل وقدرة أكبر على التعامل مع التحديات، وعلينا أن نبني على هذه التجربة لتعزيز أمننا الغذائي والمائي».
وقد انعكست في حديث معالي مريم المهيري، وزيرة دولة للأمن الغذائي والمائي، في أثناء الاجتماع، الرؤية الاستشرافية التي تؤطّر التعامل مع هذين الملفين، وهي تتمحور في جانب أمن المياه «حول الإشراف على المخزون الاستراتيجي، ودعم البحث والتطوير، وتبنّي تقنيات الإدارة المتكاملة للمياه والمتوائمة مع بيئة الإمارات، وكذلك تحسين المشاركات والتمثيل الدولي». وفي جانب الأمن الغذائي يبرز الاهتمام الكبير «بتكنولوجيا الغذاء، وتوظيفها من أجل خلق رافد اقتصادي جديد لدولة الإمارات، وكذلك تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً رائداً للأمن الغذائي القائم على الابتكار والمعرفة، حيث سيتم الاعتماد على الكثير من التقنيات الحديثة في سبيل الارتقاء بكل منظومة الغذاء في الدولة، مثل علوم الجينوم، ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة».
إن هذه الرؤية المستقبلية لدولة الإمارات تجاه ملفي الأمن الغذائي والمائي تملك كل الأسس الراسخة التي تجعل نجاحها مؤكداً، لكنَّ مساهمة الأفراد فيها سوف يتيح لنجاحها أن يصبح أكبر وأوسع مدى، وهو ما يجعله مهمة وطنية يجب أن نشارك فيها جميعاً.