كما أن العالم لم يكن نفسه بعد 11 سبتمبر 2001، كذلك فإن العالم لم يعد نفسه بعد 13 أغسطس 2020، حين أعلنت الإمارات، الدولة القوية المستقرة، عن وضع خريطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك، وصولاً إلى علاقات ثنائية مع إسرائيل برعاية أميركية.

قالوا: «اتفاق تاريخي»، وقالوا: «تغيير لقواعد اللعبة»، وقالوا أيضاً: «خيانة» و«طعنة في الظهر»، لكنهم لم يحددوا: «طعنة في ظهر من؟»، فهل هي طعنة لقرار ضم الأراضي الفلسطينية، أو ما تبقى منها، أم أنها طعنة في وجه تركيا وإيران، اللتين تستفيدان من العداء والخصومة، أم طعنة في قلب قوى الإرهاب كـ«حماس» و«حزب الله» و«الحوثية» التي تستثمر في العداء، أم هي طعنة في صدر المتآمرين والخونة والفاسدين، الذين يستفيدون من استمرار النزاع العربي الإسرائيلي، ويكنزون الذهب والفضة؟!؟ 

يقول التاريخ: إن الملك عبدالله الأول، مؤسس الأردن، قَبلَ السلام وقرار التقسيم عام 1947، والرئيس المصري الراحل أنور السادات وقّع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولحكمته البالغة لم يرغب الملك حسين بن طلال أن يدفع شعبه ثمناً باهظاً للحرب، فوقّع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، لأنه علم أن ما يمكن أخذه بالسلام أفضل بكثير مما سيأخذه بحرب مدمرة، وكان شجاعاً فوقف بوادي عربة، ووقَّع مع الإسرائيليين اتفاق سلام، ولم يحدث يوماً أنه عبّر عن ندمه، نتيجة موقفه وقراره العقلاني والواقعي.
خلال الثلاثين عام الأخيرة، ومنذ وقع الفلسطينيون اتفاقية أوسلو مع الإسرائيليين، دون التنسيق مع أي من الأطراف العربية، تغير وجه الأمن القومي العربي، وتغيرت مفرداته وعناصره، فأصبحت دولة إسرائيل، المعترف بها عالمياً، هي دولة معترف بها أيضاً من قبل الفلسطينيين أنفسهم، فلم نسمع تهديداً واحداً من إسرائيل تجاه أي دولة عربية، ثم ظهرت موجات الشعبوية التركية والإيرانية، والحركات والجماعات التابعة لها، لتعبث في تلك المساحة، فضاعفت من موجات العداء تجاه الدول العربية، حتى سيطرت إيران على أربع عواصم عربية، واحتلت تركيا دولتين عربيتين.

لا شك أن العالم تغير بعد 13 أغسطس 2020، إن لم يكن العالم كله، فالشرق الأوسط على أقل تقدير، فالإمارات لم تفتح الباب لإسرائيل لتجتاح الخليج، بل فتحته للدول العربية، التي اختبرت نظرية تبدل الأمن القومي العربي، وتبدل الخصوم، وفهمت قيمة السلام والاستقرار والأمن، لتحذو حذو الإمارات في عقد الاتفاقيات، التي تصب في المصلحة الوطنية والقومية، وتصنع المستقبل لشعوب المنطقة وللأجيال القادمة، الذين لن يفهموا سبب العداء لإسرائيل وهي تمد يدها تنشد السلام، ولن يفهموا سبب التقارب مع دول بات شغلها الشاغل تهديد الأمن القومي العربي.
سيسأل الجيل القادم في العراق وسوريا ولبنان واليمن: لماذا نرضخ للمد الفارسي الذي يقتلنا كل يوم، ويسيطر على حياتنا ويثير الفتنة والرعب في بلدنا، ويفجر موانئنا ويحتل عواصمنا، بينما نرفض يد دولة متقدمة علمياً وصناعياً، لديها علاقات متزنة مع جميع دول العالم، ولا تهدد حياتنا وبلادنا ومستقبلنا، بل وأصبح إقليم الشرق الأوسط الذي نعيش فيه جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، هل حقاً كانوا يصدقون المقولة التي غرسها اليمين المتطرف في عقولنا أن «دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل»، وأنهم عدونا الوحيد، ويجب محاربتهم فقط، حتى لو كانوا لا يحاربوننا؟!؟ 
وسيسأل الجيل القادم في سوريا وليبيا وتونس والعراق واليمن والسودان والخليج العربي أيضاً: لماذا نرضخ لخليفة «الإخوان المسلمين»، الذي يحلم باستعادة إمبراطورية أجداده العثمانيين، ونحني له رؤوسنا، ونقاتل إلى صفه ليحتل سوريا وليبيا ويعبث في أوطاننا، ويدّعي أنه سيعيد القدس، بينما علم سفارة إسرائيل يرفرف في عاصمته أنقرة منذ 1949، ويقيم معها علاقات تجارية ودبلوماسية علنية، وعندما نقرر إقامة علاقات معها يبدأ بتهديدنا وتهديد بلادنا وشعوبنا؟!؟ 
كنا نقول، قبل توقيع اتفاقية السلام في 13 أغسطس 2020: إن «السلام للشجعان وأن الحرب للجبناء الضعفاء»، وحين قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن يغير وجه الشرق الأوسط، ويمد يده للسلام، شعرنا بالفخر، لأنه بعث برسالتنا الراسخة في وجداننا، أننا شعب الإمارات شعب السلام، وهو ما نحب أن يراه العالم أجمع في شخصية وهوية الشعب الإماراتي، أما كيف ندير علاقتنا مع إسرائيل، فهذا شأننا، ولدينا الخبرة والكفاءة اللازمة لإدارة علاقات اعتيادية مع أي دولة في العالم، سواء أكانت إسرائيل أم غيرها.
يستحق رجل السلام، الذي غيّر وجه العالم في 13 أغسطس 2020، أن يحصد الجوائز الدولية التي تؤرخ لخطوته التاريخية في إنجاز عالمي تاريخي غير مسبوق، والتي ترسخ أيضا لشعب الإمارات هويته التوّاقة للسلام، كذلك فإن الجائزة الكبرى لرجل السلام، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مطرزة كوسام بأحرف من نور في قلب وعقل كل إماراتي.

* لواء ركن طيار متقاعد