عندما عاد مواطنو برشلونة إلى الشوارع في منتصف شهر مايو بعد إغلاق دام شهرين، اكتشفوا أن المدينة قد تغيرت. فلم تكن مليئة بالنباتات والحياة البرية فحسب، بل أصبحت تضم ممرات للدراجات مطلية باللون الأصفر الزاهي فوق ممرات السيارات القديمة.
ويقود هذا التحول «أدريا جوميلا»، رئيس خدمات التنقل في برشلونة، حيث قام فريقه بتحويل ثاني أكبر مدن إسبانيا إلى واحدة من أكثر المدن الكبرى ملاءمة لركوب الدراجات في جنوب أوروبا. ورغم أن الوباء يمثل مأساة، إلا أنه تحول أيضا إلى فرصة. يقول «جوميلا»: «يخرج الجميع من هذا بشعور أكبر بالمسؤولية ومزيد من الوعي البيئي».
لم تكن برشلونة أبداً مرشحة لتصبح مدينة ملائمة لركوب الدراجات. فمعظمها مبني على سفوح سلسلة جبال «كولسيرولا» وسبعة تلال أصغر. وغالبا ما يعني ركوب الدراجات على المنحدرات الشديدة في العاصمة الكتالونية التعرق تحت أشعة شمس البحر المتوسط.
تعد برشلونة واحدة من أكثر مدن إسبانيا كثافة، حيث توجد المصانع والمستودعات جنباً إلى جنب مع المباني السكنية. وخلال الثمانينيات، انتقلت معظم الأنشطة الصناعية إلى الضواحي، وقبل دورة الألعاب الأوليمبية لعام 1992، شرعت المدينة في عملية إحياء كبيرة، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية الصناعية القديمة وبناء واجهة شاطئية حضرية تضم مطاعم ومقاهي ومساحات لراكبي الدراجات والعدائين. ساعد طريق دائري جديد حول المدينة في البداية على تخفيف حركة المرور في الوسط، ولكن عادت الاختناقات المرورية بعد فترة وجيزة مع زيادة عدد السيارات، وانتقال المزيد من الناس إلى الضواحي.
في بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت السلطات تدرك أنها لا تستطيع إصلاح تلوث الهواء مع وجود الكثير من السيارات على الطريق. كان جوميلا، وهو مهندس صناعي، يدير حركة المرور من غرفة التحكم في مجلس المدينة في ذلك الوقت. وهو يتذكر أن مجموعات مؤيدة لركوب الدراجات كانت تأتي إلى مكاتب المدينة، وتطالب بعقد اجتماعات مع المسؤولين وتضغط من أجل إنشاء المزيد من ممرات الدراجات. وقد نجحت.
في البداية، كان يتم إنشاء ممرات للدراجات مع بناء شارع جديد، لكن جوميلا يقول إن المسؤولين سرعان ما أدركوا أن الممرات الجزئية والمعزولة لن تقطعها. وقدم قانون صدر عام 2003 الإطار القانوني للسلطات لوضع أهداف لإنشاء المزيد من ممرات الدراجات، وهي الأهداف التي يتم تحديثها الآن كل ست سنوات.
عندما تم إغلاق برشلونة في مارس، كان جوميلا مستعداً. كانت المدينة قد خططت بالفعل مسار الممرات الجديدة، وكان طلاء الخطوط الصفراء أمراً سهلاً عندما كانت الشوارع فارغة. يقول: «لقد قمنا بعمل شهور في أيام قليلة فقط».
برشلونة ليست المدينة الوحيدة التي قامت بذلك. فقد أضافت روما، المعروفة بحركة المرور الفوضوية وسائقي الدراجات النارية العدوانيين، 150 كيلومترا من ممرات الدراجات أثناء وبعد إغلاق الفيروس التاجي، وفقاً لاتحاد راكبي الدراجات الأوروبي. وأضافت مدينة بولونيا الإيطالية 94 كم، ولشبونة 77 كم، وباريس 69 كم.
حتى بالنسبة للمدن التي لم يكن لديها سابقا خطط طويلة الأجل للبنية التحتية لركوب الدراجات، بات «من السهل إلى حد ما إعادة استخدام الطرق لراكبي الدراجات»، كما تقول جيل وارين، الرئيس التنفيذي المشارك في الاتحاد الأوروبي لراكبي الدراجات في بروكسل. وتضيف «هناك أشياء مختلفة يمكنهم القيام بها، وإعادة تهيئة الطرق لراكبي الدراجات، وخفض حدود السرعة، وإنشاء شوارع خالية من السيارات وتقديم حوافز لشراء أو إصلاح الدراجات، وكلها طرق رائعة لتشجيع ركوب الدراجات».
اعتبارًا من نهاية العام الماضي، كانت برشلونة بها 211 كيلومتراً من ممرات الدراجات، وقللت الشوارع الصغيرة حدود سرعتها من 50 -30 كيلومترا في الساعة. وأدى هذا إلى تقليل الضوضاء والتلوث من السيارات، وزيادة عدد الشوارع الملائمة لركوب الدراجات دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة.
يقول جوميلا إن المرحلة النهائية ستكون عندما ينتشر ركوب الدراجات على نطاق واسع لدرجة أن فريقه يحتاج إلى بناء مرافق عامة كبيرة لوقوف الدراجات، مماثلة لتلك الموجودة في أمستردام وكوبنهاجن. هذا المستقبل البعيد يقترب. مع قيام الأشخاص بإجراء مثل هذه التغييرات الجذرية في حياتهم اليومية، والعمل من المنزل، وارتداء الأقنعة والتباعد الجسدي، قد لا يكون من الصعب إجراء تغيير آخر.
*صحفية متخصصة في قضايا البيئة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنظن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»