تعيد التحولات التكنولوجية، وما تبعها من تحولات اقتصادية واجتماعية، صياغة وتشكيل المحتوى التعليمي في المدارس والجامعات، ليكون في مقدور الناس المشاركة الاقتصادية والاجتماعية في البيئة الجديدة من القيم والأعمال، وبطبيعة الحال فإن مهنة التعليم سوف يعاد تعريفها وإنتاجها لتلائم المتطلبات والأهداف الجديدة، ولا يكفي للمعلم في المرحلة الجديدة أن يكون قادراً على امتلاك واستخدام التكنولوجيا الشبكية في التعليم، ولكنه مطلوب منه معارف ومهارات جديدة في التعليم، كالإرشاد الأكاديمي والنفسي والاجتماعي والتربوي، والتنسيق والتواصل مع الأسر والمجتمعات، إضافة بالطبع إلى معرفة علمية جديدة مختلفة، عما كان يقدمه للتلاميذ من قبل.
مؤكد أن المعلم في المنظومة القادمة للتعليم، ليس هو من تعرفه الأجيال الحاضرة والسابقة في دوره التعليمي وفي المعرفة والمهارات التي يقدمها أو يجب أن يحوزها، هو على الأغلب مزيج من المعلم في المرحلة السابقة للمدارس والجامعات الحديثة والمرشد والأكاديمي والمدرب المهني والقائد الاجتماعي.
سوف يكون في مقدور الطلاب الوصول إلى المعرفة بلا حدود، ومن ثم تتغير أو تتوقف وظيفة المعلم في التزويد المباشر للطلاب بالمعرفة، ولكنه يتحول إلى ميسر لمتابعة التزويد والمشكلات الممكن مواجهتها في التعلم والاستيعاب والتطبيق، وسوف يتفاوت الطلاب مبكراً بسرعة ووضوح في تلقي المعرفة واستيعابها، وفي اتجاهاتهم نحو التخصصات وقدراتهم على تمثل المهارات والقيم، بل وتطويرها أيضاً، وفي ذلك تتعدد وتتعقد وظيفة المعلم، ليتابع كل طالب على حده في مساره التعليمي والأكاديمي والمهني، وتزيد الحاجة أيضاً إلى قدرات ومهارات جديدة، ليتمكن من إدارة التفاوت بين الطلاب، والتعامل مع الحالات المتباينة، كالموهوبين أو الذين يواجهون صعوبات تعلم، كما التباين في الاهتمامات والهوايات والقدرات والاتجاهات، ومرجح أن التلاميذ بعد سن العاشرة، حيث يكونون قد أمضوا ست سنوات دراسية، سوف يدخلون مبكراً في مسار أكاديمي متقدم ومبكر، ليكون في مقدروهم بعد ست سنوات أخرى؛ أي في سن السادسة عشر الحصول على معارف ومهارات وتخصصات يدرسها الجيل الحاضر في الجامعات، وسيكون في مقدورهم بعد سنتين أي في الثامنة عشرة الحصول على الشهادة الجامعية، أي أن المدارس الثانوية ستتحول إلى كليات جامعية ومهنية، تمنح الطلاب الشهادة الجامعية الأولى، ويبدأ الخريجون في مرحلة من العمل أو مواصلة التعليم المتقدم في الجامعات. 
وهكذا، فإن المعلم يحتاج أن يكون قادراً على تزويد التلاميذ والطلاب محتوى مكثفاً ومتقدماً من العلوم والتخصصات والمهن والقدرات في مرحلة مبكرة، وبغير هذه التحولات في المحتوى وقدرات المعلمين لن يكون بمقدور الأجيال استيعاب المعرفة المتقدمة والمتدفقة والمتغيرة أيضاً، ولا شك أنها مهمة صعبة من جوانب عدة، لكن لا مناص من خوضها.
سوف يتعلم الأطفال في سن مبكرة علوماً ومعارف، تبدو اليوم متقدمة أو يتم تقديمها للطلاب في سن متأخرة، لكن ثبت أن في مقدور الأطفال تعلمها، وعلى أي حال، فلا مجال سوى البدء مبكراً بالتزويد المعرفي والمهني، ليكون في مقدور الدول والمجتمعات تهيئة الفاعلين الاجتماعيين لأدوارهم المستقبلية، التي تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً، وفي الوقت نفسه يجب المحافظة على مراعاة الطفولة، وحاجة الأطفال إلى اللعب والحنان والمحبة والدعم الاجتماعي والنفسي، فهم برغم أنهم علماء لكنهم يظلون صغاراً، بل يرجح من أن اتجاهات العناية والرعاية الموجهة لتعليم الأطفال وتهيئتهم، تسعى إلى تأخير تحملهم المسؤولية والمشاركة في العمل، هكذا سوف تتأخر الطفولة إلى سن الثامنة عشر أو أكثر من ذلك، لكن التعليم سيكون أكثر تقدماً، والمعرفة والمهارات أكثر تعقيداً، وبالطبع فإن المعلم القادر يجب أن يحوز على معارف ومهارات تكافئ هذا التقدم.
*كاتب وباحث أردني