سأفترض أن اللجنة الدستورية التي عادت إلى متابعة جلساتها في جنيف في 24 أغسطس الحالي، والتي تعطلت مؤقتاً بسبب فيروس كورونا، قد توصلت إلى مسودة دستور جديد بتوافق تام، فما الذي بوسعها عمله إذا رفضت الحكومة السورية نتائج عمل اللجنة، فالوفد القادم من دمشق لا يضم ممثلين عن الحكومة التي أعلنت أن هذا الوفد مدعوم منها، ولكنه وفد وطني لا يمثلها، وتسمية الوفد (الوطني) يلمح إلى اعتبار الوفد المقابل المعارض (غير وطني) وهذا يطرح أسئلة محرجة على الحكومة والمعارضة معاً. وإذا اعتبرنا الوفدين (وطنيين) فليس ثمة داع لاعتبارهما وفدين متقابلين، فكلاهما يمثلان الشعب كما يفترض، وهما معاً يحتاجان إلى وفد يمثل الحكومة والنظام السياسي. 
لقد اعتبر «بيدرسون» أن هذه المفاوضات بملكية سورية محضة، ولكنه لم يعترض على غياب وفد حكومي ينطق باسم الحكومة رسمياً ويعبر عن وجهة نظرها، وتلتزم الحكومة بما يتوصل إليه من اتفاق، وإلا فما الغاية من تضييع الوقت بمباحثات يغيب عنها الطرف الآخر (النظام السياسي السوري)؟ وكيف يقبل وهو ممثل الأمم المتحدة بعدم التزام الحكومة بتمثيل الوفد لها والاكتفاء بكونها تدعمه (لوجستياً)، وهذا يخالف قرار تشكيل اللجنة موضوعياً؟ وماذا بوسعه أن يفعل إذا اعتبرت الحكومة ما ستصل إليه اللجنة مجرد مقترحات غير ملزمة لأحد.. أيكون الهدف الأممي هو المماطلة وتزجية الوقت فقط، أم الوصول إلى دستور يكون بوابة العبور من الأفق المسدود أمام القضية السورية؟
وعلى الرغم من كوني غير متفائل بجدوى اجتماعات اللجنة، أعترف بأنني لا أميل مع المعارضة إلى وضع دستور جديد، لأنني أخشى أن ينتقل بسوريا إلى وضع يشابه وضع لبنان وها نحن نرى النتائج.
لذلك كنت طرحت اعتماد دستور 2012 مع تعديلات جوهرية بما يتعلق ببعض المواد التي تحدد السلطات، وأعيد التذكير بها وأضعها أمام اللجنة الدستورية، مؤكداً أن دستور 2012 يحتوي على الكثير من المواد التي لا يوجد خلاف عليها ربما إلا من بعض الفئات ذات الاحتياجات السياسية الخاصة، وهذه يمكن معالجتها بعدل وإنصاف، دون الإطاحة الكاملة بدستور 2012 وأما المواد التي أعترض عليها وأرى ضرورة تعديلها فهي لا تكاد تزيد على عشر مواد، ومن أهمها الفقرة الخامسة من المادة 84 التي تقضي بأن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية مقيما إقامة كاملة متصلة عند تقديم طلب الترشيح لمدة لا تقل عن عشر سنوات، فهذه المادة يجب أن تستثني الإقامة خارج سوريا بظروف قهرية، لمراعاة وضع الهجرة بعد اندلاع الثورة السورية، وكذلك المادة 88 التي تحدد مدة الرئاسة بـ 7 سنوات ولا يجوز إعادة انتخاب الرئيس إلا لولاية ثانية واحدة، وهذه المادة يجب أن تمنع حق الترشح لمن سبق له أن تولى الرئاسة لأكثر من ولايتين قبل إعلان الدستور الجديد، وثمة المادة 91 التي تفوض رئيس الجمهورية بأن يعين نائباً له، وأن يتم اعتماد النائب من أكثرية أعضاء مجلس الشعب، ثم المادة 97 التي تمنح رئيس الجمهورية حق تشكيل الحكومة ويمكن مناقشة هذه المادة في إطار الخيار بين النظام البرلماني أو الرئاسي أو المزج بينها، ثم المادة 113 التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحية التشريع خارج أوقات انعقاد مجلس الشعب وأرى عدم الحاجة لهذه المادة ما دام الرئيس يملك حق دعوة المجلس للانعقاد، ثم المادة 118 التي تسمي رئيس مجلس الوزراء، وأرى أن تكون خاصة بصلاحيات رئيس الوزراء، وباختصار، ما ينبغي تعديله هو منع ظهور ديكتاتورية في نظام الحكم، لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة،  وإنما تقييد المطلق، ما دمنا نطلب دولة ديمقراطية.
*وزير الثقافة السوري السابق