في وقت مبكر من الشهر الجاري، أدى الرئيس السريلانكي السابق «ماهيندا راجاباكسا» اليمين الدستورية لتولي منصب رئيس الوزراء في البلاد، بعدما أن حقق حزبه «الجبهة الشعبية السريلانكية» فوزاً كاسحاً في الانتخابات البرلمانية. ويفسح الفوز الانتخابي، وهو الرابع في المشوار السياسي لماهيندا، الساحة أمام أسرة «راجاباكسا»، كي تشدد قبضتها على السلطة، وتظل القوة السياسية المهيمنة في البلاد. وأدى «ماهيندا» اليمين لتولي المنصب أمام الرئيس «غوتابايا راجاباكسا»، شقيقه الأصغر، في معبد بوذي على أطراف العاصمة كولومبو. 
والفوز الذي حققته أسرة «راجاباكسا» يأتي بعد تسعة شهور من وصول الشقيق الأصغر «غوتابايا» إلى السلطة كرئيس للبلاد، بعد أن فاز بأغلبية 52% من الأصوات. وهذه المرة، حقق حزب الأخوين انتصاراً كاسحاً بعد أن حصد 145 مقعداً، أي أقل بخمسة مقاعد فقط من نصاب الثلثين في الانتخابات البرلمانية. ويُنسب إلى الزعيم السريلانكي فضل إنهاء حرب أهلية دموية مزقت «الدولة الجزيرة» لما يقرب من ثلاثة عقود. وفي الوقت ذاته، تعرض «ماهيندا» أيضاً لانتقادات؛ لسماحه بتجاوزات أنهت الصراع العرقي نهاية دموية عام 2009 بهزيمة «نمور التاميل». وشغل «ماهيندا» منصب الرئيس من عام 2005 إلى عام 2015، ومازال يتمتع بشعبية كبيرة وسط الأغلبية السنهالية. 
وأثبت فوز «ماهيندا» أن الأخوين مازالا يتمتعان بشعبية وسط الأغلبية «السنهالية»، التي تمثل نحو 70% من سكان البلاد ومعظمهم بوذيون. وحقق «الأخوان راجاباكسا»» هذا الإنجاز بإذكاء حمية القومية «السنهالية»، وبناء على وعود بتشديد السياسات الأمنية في البلاد. وفي الهجمات الإرهابية التي وقعت يوم «عيد الفصح» العام الماضي، ظهر نوع ما من تشكيل جماعة متطرفة في سريلانكا التي دمرتها ثلاثة عقود من العنف الانفصالي. والتفجيرات المنسقة التي شهدتها سريلانكا وقعت في كنائس وفنادق خمسة نجوم في العاصمة كولومبو، وأيضاً في مناطق أخرى من البلاد، أدت إلى وفاة 300 شخص. وألقيت اللائمة في تنفيذ الهجمات على جماعة محلية مغمورة يطلق عليها «جماعة التوحيد الوطنية». ومنذ هذه الهجمات، أصبحت الحاجة إلى سياسات أمنية أقوى مطلباً محورياً في البلاد. 

لكن فوز «ماهيندا» وهيمنة حزبه أثار أسئلة بشأن ضعف المعارضة في سريلانكا. فقد حصل «الحزب القومي المتحد» على مقعد واحد فقط، في انتكاسة كبيرة لهذا الحزب. لكن حزباً آخر، هو «سماغي جانا»- بزعامة «ساجيث بريماداسا»، نجل رئيس سابق اغتيل عام 1993- حصد 54 مقعداً، ليصبح ثاني أكبر حزب في المعترك السياسي السريلانكي. وكان الضعف في الأداء الانتخابي من نصيب حزب «التحالف القومي التاميلي»، الذي يستمد تأييده من مناطق الأقلية التاميلية، فلم يحصد الحزب إلا 10 مقاعد فحسب. 

وكان الحزب الحاكم من قبل يشارك في تحالف أفسدته الخلافات، لكن أغلبيته الكاسحة الجديدة تجعله في مكانة لم يعد فيها بحاجة إلى حلفاء. ويمكنه الآن المضي قدماً، بناء على الوعد بإدخال تعديلات دستورية وتعزيز السلطة التنفيذية للرئاسة. وهذا يعطي «الأخوين» سلطات لتحقيق عدد من التغيرات الموعود بها. وهذا يتضمن تعديل تمركز السلطة في مكتب رئيس الوزراء الذي يعتقد «الأخوان راجاباكسا» أنه أدى إلى سياسات أمنية ضعيفة. وينصب تركيزهما على التعديل التاسع عشر في الدستور الذي أُقر عام 2015 الذي خسر فيه «ماهيندا» الانتخابات، بعد ما يزيد على عشر سنوات قضاها في السلطة. وقلص التعديل بشكل كبير السلطات التنفيذية للرئيس، وقسّمها بتساوٍ أكبر بين رئيس الوزراء والبرلمان ومؤسسات ديمقراطية أخرى. 

وأكدت الانتخابات أيضاً أن «ماهيندا» هو أكثر زعماء الغالبية «السنهالية» تمتعاً بشعبية في سريلانكا حتى الآن. لكن هناك مزاعم تشير إلى كتم صوت المعارضة. فقد اتهمت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان الحكومة السريلانكية بشن حملة على أي نوع من المعارضة والاستمرار في مضايقة أي شخص، سواء كان ناشطاً أو صحفياً، يبدي رأياً مخالفاً. 

والآن، فإن التحدي الذي يواجهه «الأخوان راجاباكسا» في جبهة السياسة الخارجية، يتمثل في كيفية تحقيق توازن في العلاقات بين الهند والصين. ومن الواضح أن التحدي الأكبر يقع على الجبهة الاقتصادية، بسبب جائحة كورونا التي ألحقت الضرر بقطاع السياحة الذي يعد من أكبر مصادر الدخل، هذا بالإضافة إلى الديون المرتفعة. فقد ذكر البنك الدولي أن اقتصاد البلاد قد يتقلص هذا العام بما يصل إلى 3%، وهو أسوأ أداء للاقتصاد منذ عام 2001، أثناء الحرب الأهلية. وتبلغ الديون الخارجية للبلاد 67% من إنتاجها المحلي الإجمالي البالغ 84 مليار دولار أميركي. ويتعين على البلاد أن تسدد ديونها، وهي غاية أصبحت أصعب بعد تقلص عائدات السياحة وانخفاض تحويلات المغتربين. ومن الواضح أن الأخوين «راجاباكسا» لديهما بالفعل تحديات ماثلة بين أيديهم الآن.
رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي