غريب جداً صمت المجتمع الدولي، وقوى كبرى أعطت أولوية متقدمة لمواجهة الإرهاب في السنوات الثماني الأخيرة، على ازدياد أعداد المرتزقة الذين تنقلهم تركيا، بالتعاون مع ما يُسمى «حكومة الوفاق» إلى ليبيا، يُشكل وجود هؤلاء المرتزقة خطراً كبيراً يُضاف إلى الأخطار التي تهدد ليبيا والمنطقة، بل قد يفوقها.
بين هؤلاء المرتزقة متطرفون وإرهابيون موجودون الآن في بعض ضواحي طرابلس مثل بوسليم، وتاجوراء، وعرادة، وعين زارة، وكذلك في مصراتة، وفي مواقع قريبة من سِرت، يصعب تقدير عدد هؤلاء المتطرفين والإرهابيين بدقة، ولكن القدر المتيقن أنه يزداد برغم عودة بعضهم إلى سوريا، وتسلل آخرين عبر الحدود الليبية إلى بلدان أخرى في شمال أفريقيا وساحلها الغربي.
وتفيد مؤشرات عدة، أن أجهزة نظام الرئيس أردوغان تنتقي نوعين من المتطرفين والإرهابيين، أولهما مسلحون مدربون جيداً، ولا يحتاجون إلا إلى قليل من الإعداد والتجهيز الميداني لخوض معارك أو تنفيذ عمليات، والثاني لا ترغب هذه الأجهزة في بقائهم في سوريا لأسباب تتعلق بحساباتها، والتوازنات التي تقيمها في علاقاتها من المنظمات والمجموعات التي تعج بها محافظة إدلب.
وهي تعتمد في ذلك على معلومات استخباراتية وشركات عسكرية وأمنية خاصة مرتبطة بها تقوم بعملية اختيار المسلحين الذين يُنقلون إلى ليبيا، وتجهيز الوثائق اللازمة لتبرير وجودهم بها، وإعداد عقودهم، ثم إجراء التدريب اللازم لهم عقب وصولهم، وأهم هذه الشركات شركة «صادات للاستشارات الدفاعية»، التي أسسها عام 2011 الجنرال السابق في الجيش التركي عدنان فيردي، الذي تربطه علاقة وثيقة مع أردوغان، منذ أن كان رئيساً لبلدية إسطنبول، ويُعد أحد مستشاريه العسكريين الآن، وقد أُنشئت هذه الشركة على غرار شركة «بلاك ووتر» الأميركية المشهورة، التي غيرت اسمها قبل سنوات إلى «أكاديمي» ‏Academi.
ولكي ندرك حجم الخطر المترتب على ازدياد أعداد المتطرفين والإرهابيين بين المرتزقة الذين تنقلهم تركيا إلى ليبيا، يتعين أن نلقى نظرة سريعة على خلفياتهم والمنظمات التي ينتمون، أو كانوا ينتمون إليها، أو يرتبطون بها، فالملاحظ أن الكثير منهم أعضاء في تنظيم «حراس الدين»، سواء حاليين أو سابقين، الأمر الذي يزيد خطر تكوين خلايا مرتبطة بتنظيم «القاعدة» مرة أخرى بعد نجاح الجيش الوطني في القضاء على من كانوا موجودين منهم، فقد أصبح «حراس الدين» الفرع الرسمي لهذا التنظيم في سوريا، بعد أن اضطرت «هيئة تحرير الشام» أو «جبهة النصرة» سابقاً للنأي بنفسها علناً عنه. 
وفضلاً عن تنظيم «حراس الدين»، ينتمي الإرهابيون الذين زُرعوا في ليبيا خلال الأشهر الأخيرة إلى مجموعات متطرفة أخرى تابعة لتركيا، مثل «فيلق الشام»، و«السلطان مراد»، و«سليمان شاه»، و«لواء المعتصم»، و«لواء صقور الشام».
والأرجح أن وجود هؤلاء المتطرفين والإرهابيين الآن، سيكون أخطر مما ترتب على تمركز بعض خلايا تابعة لتنظيم «داعش» في سرت، ثم انتقال كثير من عناصرها إلى جنوب ليبيا بعد تعرضها لضربات قوية، وتشكيل ما يُطلق عليه الآن «جيش الصحراء» الذي يتمركز في مناطق رخوة، ويُقيم امتدادات له في جنوب الصحراء، وربما في تشاد والنيجر أيضاً.
وإذا عزز أتباع تنظيم «القاعدة»، سواء القادمين من فرعه في سوريا المسمى «حراس الدين» أو غيره، وجودهم في المناطق التي نُقلوا إليها، يمكن أن يتواصلوا مع أتباع تنظيم «داعش»، الذين يُطلقون على أنفسهم «جيش الصحراء» في الجنوب، فبرغم الصراع المعروفة أبعاده بين هذين التنظيمين، اللذين يتصدران خريطة الإرهاب في عالم اليوم، حدث تنسيق بين فروع تابعة لهما في بعض البلدان من قبل، مثل مالي وبوركينا فاسو.
كما حدث مثل هذا التنسيق في ليبيا، قبل أن يضطلع الجيش الوطني بدوره، ويقتلع جذورهم في المناطق الشرقية التي أقاموا فيها معسكرات تدريب، وحدث تحالف أيضاً عام 2015 بين أتباع تنظيم «داعش» في سِرت، وفرع جماعة تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي، وكذلك مع «كتيبة طارق بن زياد» المنضوية تحت لواء «تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي»، الذي يضم عدة مجموعات أشهرها «أنصار الشريعة»، و«كتيبة عقبة بن نافع»، و«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وسيكون الأمر أخطر هذه المرة، لأن التحالف أسهل بين أتباع فروع لتنظيم «القاعدة» نُقلوا إلى ليبيا.
وفي هذه الحالة، لن يكون خطر الإرهاب الذي يُعاد توطينه في ليبيا، مقصوراً على البلدان المجاورة لها فقط، بل سيمتد إلى دول جنوب أوروبا أيضاً.
*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.