أسفرت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، وهي الثانية منذ التفجيرات المدمرة التي شهدتها لبنان في 4 أغسطس، عن التقاط صورة واحدة لا تُنسى، وبعض المواقف أمام وسائل الإعلام الدولية، وعدد قليل من الملاحظات حول الحاجة إلى الإصلاح السياسي وتهديد غير محدد بفرض عقوبات على أولئك الذين يعارضونها.
وبالنسبة للبنانيين، أسفرت الزيارة عن وعد فضفاض ومحذّر: سيوفر المؤتمر الدولي للمانحين المقرر عقده في باريس في شهر أكتوبر المساعدة المالية اللازمة لإعادة بناء اقتصادهم المنهار -ورأس مالهم المنهار -ولكن (وهذه «لكن» كبيرة) فقط إذا (وهذه «إذا» كبيرة) وافقت نخبتهم السياسية على هدم النظام الذي أوصل البلاد إلى أعماق الاختلال الوظيفي.
ومع ذلك، ماذا لو تجاهلت النخبة السياسية دعوة الرئيس الفرنسي، تماماً كما فعلت مع جميع النداءات السابقة للإصلاح؟ قال «ماكرون»: «سأخبر المجتمع الدولي أنه لا يمكننا مساعدة لبنان، ولكن أيضا سأوضح للشعب اللبناني أن قادتك هم الذين قرروا ذلك». الأمر الذي سيردون عليه بلا شك: أخبرنا بشيء لا نعرفه بالفعل. لقد سمعها اللبنانيون من قبل. ظل الزعماء الغربيون لسنوات عديدة يلحون على القيادة السياسية بشأن الحاجة إلى إجراء إصلاحات سياسية. وكان هذا هو الشرط الأول الذي يتذرع به كل مقرض دولي. من غير المرجح أن ينتظر اللبنانيون الكثير من الأمل من مؤتمر مساعدات يُعقد في باريس. كان هناك العديد من تلك المؤتمرات على مدى عقود، آخرها في عام 2018، عندما اجتمع مندوبون من 41 دولة في العاصمة الفرنسية للتعهد بتقديم 11 مليار دولار في شكل قروض ومنح، شريطة أن تسن الحكومة في بيروت إصلاحات. وقال المضيف، إيمانويل ماكرون، إن المؤتمر «له هدف فقط إذا كان مصحوبا بتحول عميق».
ولكن، لم يحدث أي تحول، ولم يحصل لبنان سوى على القليل من الأموال التي تم التعهد بتقديمها.
كان اللبنانيون يأملون في الحصول على المزيد من الرئيس ماكرون هذه المرة، خاصة بعد الوعد بزيارته رفيعة المستوى في أعقاب تفجيرات بيروت مباشرة. وفي ذلك الوقت، أيضا، حث ماكرون قادتهم على اتخاذ «مبادرة سياسية جديدة»، ووعد باستضافة مؤتمر مساعدات في باريس. كان هناك مؤتمر عبر الإنترنت، شاركت في استضافته الأمم المتحدة، وأسفر عن تقديم مساعدات إغاثة بقيمة 300 مليون دولار في حالات الكوارث – وهي مكاسب ضئيلة، بالنظر إلى الأضرار الناجمة عن الانفجار والتي قدرت بنحو 4.6 مليار دولار.
يوجه العديد من المانحين مساهماتهم إلى المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية، مما يجعلها بعيدة عن متناول الطبقة السياسية التي فقدت مصداقيتها. قبل زيارة ماكرون الثانية، سخر الكثير من اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي من أنهم قد يكونون أفضل حالاً إذا أحيا ماكرون الحكم الاستعماري الفرنسي. ولكنه، بدلا من ذلك، اختار أن يضع ثقته في الطبقة نفسها التي توقف الشعب اللبناني عن الثقة بها منذ فترة طويلة.
ولكن هناك القليل من الواقعية في تهديده بفرض عقوبات: سيكون من المستحيل تقريبا تمييز أفراد من جماعة فاسدة.
يتصور ماكرون أن رئيس الوزراء الجديد، مصطفى أديب، الذي سيحل محل حسان دياب، سيكون قادرا على تشكيل حكومة ذات مصداقية في غضون أسبوعين وتقديم برنامج إصلاح مقنع للمانحين في ستة أسابيع. لكن اللبنانيين يعرفون أنه ليس هناك الكثير من الجديد حول «أديب»، وتعيينه يمثل خلطاً لكتلة مميزة من قبل النخبة السياسية، علماً بأن «أديب» وعد بتشكيل مجلس وزراء يضم «فريقاً متجانساً من المتخصصين». لقد تم الإعلان عن تعيين «أديب» في اليوم السابق لوصول ماكرون، وذكرت الصحف المحلية أن الرجل الجديد نال مباركة الرئيس الفرنسي. لكن الرئيس الفرنسي نفى ذلك، وبعد أن راهن على النخبة السياسية اللبنانية لتنظيف تصرفاتها، لن يكون قادراً على التنصل من المسؤولية عن فشلهم الحتمي.
*كاتب متخصص في شؤؤن الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»