على امتداد مناطق كبيرة من كاليفورنيا، في الأسبوعين الماضيين، واجه كثيرون من أصدقائي وجيراني خيارا صعبا بين فتح النوافذ وتفادي فيروس كورونا أو البقاء في المنزل كمفر أفضل من الحرارة الخانقة والدخان المسمم والرماد المتساقط. وهكذا كان حال أكثر ولايات البلاد سكانا في صيف 2020 القائظ. فتفادي الفيروس يقتضي أن يفتح المرء النافذة بينما تجبره حرارة الصيف الشديدة ودخان حرائق الغابات على إغلاقها. 

وحين وصل فيروس كورونا أول الأمر إلى أميركا، استجاب مشرعو كاليفورنيا بسرعة وبفعالية وأصبحت الولاية نموذجا تحتذيه باقي البلاد. لكن المكاسب المبكرة تلاشت، ثم تصاعدت حالات الإصابة، وكل يوم من هذا الصيف يبدو كما لو أنه انزلاق في منحدر فشل لا محيص عنه. ومواجهة الفيروس تصطدم بكثير من نواحي الخلل الوظيفي القائمة منذ فترة طويلة في الولاية؛ من الإسكان والطاقة إلى تغير المناخ ونظم التصدي للكوارث. 

ففي سبيل تفادي الوباء، بدأ كثيرون من أطفال كاليفورنيا يتلقون دروسهم عبر الانترنت في الأيام القليلة الماضية. لكن لتلبية الطلب المتصاعد بشدة على الطاقة المرتبط بارتفاع درجة الحرارة القياسي، وغيرها من الأسباب الأخرى، اضطرت مرافق الولاية إلى فرض انقطاع بالتناوب لتيار الكهرباء. واضطرت المدارس إلى البحث عن خطط طوارئ للطاقة تضاف إلى خططهم الخاصة بطوارئ فيروس كورونا. ومن ثم أصبح ملايين الطلاب يواجهون الآن تهديد انقطاع الكهرباء. 

وظلت كاليفورنيا لفترة طويلة تعتمد بشدة على السجناء كوسيلة رخيصة في مواجهة الحرائق المستعرة، لكن السلطات أفرجت عن آلاف النزلاء من سجوننا المزدحمة منذ فترة طويلة في وقت مبكر من هذا العام ضمن مسعى التصدي لانتشار فيروس كورونا. والآن، في الوقت الذي يدشن فيه تغير المناخ حقبة جديدة من «الحرائق الهائلة»، أصبحت الولاية تفتقر بشكل خطير للسجناء لاستغلالهم في مكافحة الحرائق. 

وخلال الآونة الأخيرة، وأثناء المؤتمر القومي للحزب «الديمقراطي»، اتصل «جافين نيوسوم» حاكم الولاية هاتفياً بالقرب من موقع لحرائق الغابات لينتقد دونالد ترامب والحزب «الجمهوري» لتجاهلهم تغير المناخ ومعارضة جهود كاليفورنيا لتقليص الانبعاثات. وفي مؤتمر الحزب «الجمهوري»، قدمت كيمبرلي جيلفويل- المسؤولة عن جمع التمويل لحملة إعادة انتخاب ترامب والزوجة السابقة لنيوسوم- زعما معاكسا تماما قائلة إن «الاشتراكية هي التي حولت الولاية إلى كارثة»، «من حقن المخدرات المستعملة الملقاة في الساحات وأعمال الشغب في الشوارع إلى انقطاع الكهرباء في المنازل». لكني أرى أن «جيلفويل» ألقت الكلام على عواهنه بشكل مضحك وأن «نيوسوم» محق بالتأكيد. فقد أحبط ترامب في غالب الأحوال جهود كاليفورنيا لحل مشكلاتها الكثيرة بما في ذلك جهود التصدي لانتشار الجائحة. 

ويجدر بنا أن نتذكر أن ترامب لم يصبح رئيسا إلا عام 2017 وأن بذور فشل كاليفورنيا موجودة في التربة قبل ذلك بكثير. وطمس «نيوسوم» و«جيلفويل» الصورة الأكبر بتقليصهما المتسبب في مشكلات كاليفورنيا الكثيرة في صورة شخصيات شريرة بشكل كاريكاتوري. فما هي المشكلة الأساسية لكاليفورنيا؟ إنها ليست «الاشتراكية» ولا إهمال إدارة ترامب، لكنه شيء أكثر تعليقا بطبيعة نمط الحياة في الولاية. فكثيرون من سكان الولاية يرفضون العيش بطريقة مستدامة تحتوي الجميع تقتضي التخلي عن بعض راحتهم من أجل الصالح العام. وضواحي كاليفورنيا؛ وهي المثال لكثير من ضواحي أميركا؛ أُقيمت وبيعت استنادا على الوعد بالوفرة اللانهائية. فالكل سيحصل على سيارة وعمل ومنزل لكل أسرة وما يكفي من الماء والبنزين والكهرباء. 

لكن اتضح أن اللانهائية وعد باطل. فقد أدى إسرافنا في استهلاك الأراضي والموارد الأخرى إلى زحام في حركة السير والافتقار إلى المساكن وارتفاع كبير في أسعارها. وتفاقم كثير من الحرائق بسبب انتقال سكان كاليفورنيا إلى مناطق قريبة من الغابات فيما عرف باسم «واجهة الأراضي البرية الحضرية». وما إن ينتقل الناس بالقرب من أرض تغطيها الغابات، فعادة ما يأتي بعد ذلك حرائق إما لأنهم يضرمونها عن عمد أو بغير قصد أو لأنهم يحتاجون إلى كهرباء تنقلها إليهم أسلاك كهربائية قد تنتج شرارة تتحول إلى نيران. 

ومع اشتعال الحرائق حولنا في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حذرت من "نهاية كاليفورنيا كما نعرفها"، ما لم نبدأ بتغيير طريقتنا في العيش بشكل جذري. فتغير المناخ وارتفاع كلفة المعيشة سيجعل الولاية لا يمكن العيش فيها لعدد كبير من الناس. ولم تنته كاليفورنيا بعد بالطبع، فعبر الفيروس والنيران، مازالت الولاية تواصل سيرها على الطريق الخطرة نفسها كما فعلت دوما. وها نحن نواجه مرة أخرى فصلا حارقا آخر. ورغم هذا، يحدوني أمل أن يبدأ سكان كاليفورنيا يدركون الأخطاء المحورية في طريقة حياتنا. 

وربما يدفع الجدل السياسي القومي هذا العام سكان كاليفورنيا إلى إعادة النظر في طريقة عيشهم. وتسير انتخابات 2020، على عدة أنحاء، نحو معركة بشأن روح الضواحي ودورها في مستقبل أميركا. ففي مؤتمر الحزب «الجمهوري»، في الأيام القليلة الماضية، أكد مارك وباتريشا مكلوسكي اللذان أشهرا السلاح ضد المحتجين في سانت لويس أن الليبراليين يريدون «إزالة الضواحي» بإنهاء المناطق التي بها منزل لكل أسرة. لكن لا «جو بايدن» ولا «الديقراطيون» يريدون إزالة الضواحي أو حتى تحسينها. ولا «بايدن» ولا حزبه ولا أي أحد في المجال السياسي القومي أو على مستوى الولايات، مستعد لمناقشة الدمار الهائل الذي يسببه نمط المعيشة في ضواحي كاليفورنيا. وإذا كان هناك شيء سيدمر الضواحي في كاليفورنيا، فمن المرجح أن يكون حرائق الغابات وليس رئيس جديد.
*صحفي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/08/26/opinion/california-wildfires-blackouts.html