أشهر من انشق عن حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هو رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو، والذي يترأس حالياً حزب «المستقبل» المعارض، ولاحظنا في الآونة الأخيرة هجومه العنيف وتصريحاته اللاذعة ضد أردوغان وسياساته العدوانية، ولا يتردد في التهجم عليه كلما سنحت له الفرصة أمام أنصاره، في تناقض غريب مع تاريخه، حيث كان في الماضي صديقاً حميماً لأردوغان خلال العقدين الماضيين، بل إن السيد أوغلو هو صاحب عبارة «نحن العثمانيون الجدد»، مؤكداً صفة كان يرفضها سابقاً! لكنه فضّل أن يسير على درب سيده في الماضي، والذي كان دائماً ما يذّكر بأمجاد الدولة العثمانية في خطاباته الرنانة.
يبدو أن العثمانيين الجدد قادمون، فأحفاد أتاتورك اليوم انحسروا لمصلحة العثمانيين الجدد، الذين أرادوا أن يثبتوا أن تطلّع تركيا نحو أوروبا ومحاولاتها الانضمام إلى اتحادها العتيد قد فشلت، وأن أوروبا تنبذ تركيا ولن تقبلها مهما فعلت، لذلك وجد حكام تركيا الحاليون أن أفضل ما يفعلونه هو أن يولوا وجوههم شطر الدول العربية المحيطة، ليركزوا على امتدادهم الإسلامي في تلك الدول، وعلى عامل الدين والتاريخ.
هذا التاريخ الذي يذَّكر الأتراك بأمجاد غابرة، يذكرنا بمصائب وأهوال، يذكرنا بالدم والنار والجوع والتخلف الذي عاشه العرب في كنف الدولة العثمانية، فهل نلدغ من جحرنا مرتين؟! أو يتم السماح بهذا التمدد التركي في بعض الأراضي العربية؟
نحن العرب عاطفيون بطبيعتنا، لكن إذا قرأنا التاريخ فربما نستوعب أكثر، فالعثمانيون هم الذين احتلوا البلدان العربية باسم الدين وعاثوا فساداً فيها، ثم جاءت دول الغرب لتحررنا منهم، وتوقعنا كعادتنا أن تعاد حقوقنا على أيدي غيرنا، فكان الانتداب الأوروبي في معظم الدول العربية ليسرقوا ثروات العرب ويحتلونهم لعقود، والحبل على الجرار منذ ذلك الوقت وحتى قبله، فلا أحد في العالم سيقف معك لأنه أخلاقي أو حنون وعطوف، فلا الأتراك ولا الإيرانيون، كذلك الحال مع دول الغرب قاطبة، لا أحد سيقدم خدماته مجاناً!
لقد آن وقت التكلم بلغة المصالح، وكفى أن تكون القضايا العربية وسائل للمزايدات السياسية من كثير من الدول، بهدف تحقيق غاياتهم ومآربهم على حساب العرب، فتركيا لديها مشروع للتمدد والسيطرة، مستمد من التاريخ العثماني مع العرب، ويعتمد النظام التركي الحاكم على إرجاع هذه السيطرة بالعديد من الطرق، منها القوة الناعمة السياسية والاقتصادية، ودعم حركات الإسلام السياسي كجماعة «الإخوان» والتيار الإسلامي في بلدان عربية عدة، ليكونوا امتداداً لسياستها، لذلك قامت السلطة التركية بالتدخل في بعض البلدان العربية في محاولة لدعم أهدافها، وهو ما لا يتوافق مع سياسات الدول العربية، التي تدافع عن مصلحتها العليا في أراضيها.
تركيا تعتمد على تقويض القوة العربية شرقاً وغرباً، حيث سيطرت على الشمال السوري بالاحتلال المباشر، وعلى الشمال العراقي بالسيطرة على موارد المياه، حيث بنت سدوداً عدة على نهري دجلة والفرات، ما قلل حصة العراق من المياه، وإلى ليبيا، أرسلت عدة ميليشيات من المرتزقة التابعين لها وبشكل سافر، في محاولة للسيطرة على الموارد الليبية.
تركيا لديها مشروع تمدد للسيطرة على الموارد العربية، خاصة منطقة شرق المتوسط، ولا بد من مواجهة هذا الخطر، من خلال تحالف العرب مع اليونان، العدو اللدود للأتراك، ولإشغال تركيا باليونان وأوروبا، من أجل المحافظة على توازن القوة في البحر المتوسط، وإبعاد الخطر التركي في ليبيا وسوريا والعراق.
إن التهديد التركي أو الغزو العثماني الجديد، يشكل خطراً كبيراً على العرب، ما لم يتم الاتحاد بينهم لرده شرقاً وغرباً، وهذا ما سنراه في الفترة القادمة.

*كاتب إماراتي