جهود متواصلة تبذلها حكومتا الرشيدة من أجل تعزيز مكانة اللغة العربية، حيث تتنوع المبادرات والمسابقات والفعاليات، التي تصون لغة الضاد، وتجعلها رافداً لهويتنا العربية الأصيلة. 
وهذه الجهود تنطلق من وعي بدور اللغة في تشكيل هوية المجتمع وبلورة منظومة قيمه، وفي الوقت نفسه، تتسق مع أقوال المختصين في علم اللغة، ومع الاستنتاجات التي توصلت إليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم(اليونيسكو)، التي تؤكد على أن النهضة والتقدم لن يتم إلا إذا كانت اللغة القومية في كل المجالات.

وعن فضل اللغة العربية، وفي كتابه «فقه اللغة»، يقول أبو منصور الثعالبي، وهو أديب عربي فصيح عاش في نيسابور، وضلع في النحو والأدب، وامتاز في حصره وتبيانه لمعاني الكلمات والمصطلحات: «هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائل والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب كالينبوع للماء والزند للنار، ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها والوقوف على مجاريها ومعارفها والتبحر في جلائها ودقائقها، إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة التي هي عهده الإيمان، يكفي بهما فضلاً بمن فيهما أثره ويطيب في الدارين ثمره».
قوة هذه اللغة تقاس بغناء خصائصها عن باقي اللغات الفقيرة، وأيضاً تمدد حضارتها العلمية في العالم أجمع، ومن الغريب أن أصحاب اللغة العربية، وعلى الأخص المستغربين منهم من أصابه الانبهار والاستلاب، نجده يستخدم اللغة الأجنبية في خطابه وأحاديثه ومشاركته في المؤتمرات الدولية، بدلاً من أن يكون سفيراً للغته القومية، والأمثلة على ذلك كثيرة، أصبحوا للأسف مقلدين، وجزء منهم يخلط ما بين الاثنين بين لغته واللغة الأجنبية، يظن أنه يفكر ويتخيل ويكتب باللغة القومية، وهو في الحقيقة يفكر بلغة الآخر.
وليس صحيحاً أن يربط البعض التنمية والنهضة بإتقان اللغة الأجنبية فقط، فهذه الأخيرة مهمة للتواصل مع العالم، والاطلاع على العلوم والمعارف الجديدة، لكن هذا لا يعني أن يطغى الاهتمام بها لدى البعض على استخدام اللغة القومية، الغاية الأولى من تعلم لغات العالم، هو أن تصبح المجتمعات قادرة على التواصل الإيجابي، والتفاعل مع التقدم العالمي ومواكبته، وفي هذه الحالة، تكون اللغات الأجنبية جسر تواصل ووسيلة للعلم، مع الاهتمام باللغة الأم، ولا مناص من الوعي المجتمعي لصيانة لغتنا الأم، وتنشئة الأجيال الجديدة عليها، من أجل الاعتزاز بثقافتنا العربية، وتوضيح المساهمات الحضارية والعلمية التي سجلها التاريخ لعلماء عرب في مجالات عدة، والاعتزاز بلغتنا وهويتنا يمكن اعتبارهما ضمن الدوافع القوية نحو تجديد الإسهام الحضاري، من خلال العلم والمعرفة، والدخول بقوة في مجالات العلوم المتقدمة، وعندما نحقق إنجازات سنكون حقنتا أفضل ترويج للغتنا على الصعيد العالمي. 
يقول المختصون في علم اللغة: عندما ينقل المجتمع لغة أجنبية إلى بلده، ينقل معها قيماً وأخلاقاً وعادات مرتبطة بهذه اللغة، وهنا تكمن خطورة الأمر، لكن عندما يتمسك المجتمع بلغته الأم، سيتلاشى هذا الخطر، ويصبح المجتمع محصناً من أي تأثيرات سلبية، قد تنتج عن إسراف البعض في استخدام اللغات الأجنبية.
*كاتب إماراتي