يحلم اللاعب - أول ما يحلم - بجذب الانتباه إليه وهو يستعرض مهاراته أمام الجمهور. ولو خُيّر لاعبٌ بين اللعب طوال مشواره في ملاعب من دون جماهير في مقابل حصوله على الملايين، واللعب في ملاعب مكتظة بالجماهير في مقابل حصوله على ما يكفي لشراء وجبات «كنتاكي»، لفضّل اللعب بالغناء والهتافات والتصفيق. لذلك قيل بحق، إن الجمهور هو اللاعب رقم 12 لكرة القدم. 
ولا يختلف حال المغني عن لاعب الكرة، فهو أيضاً يحلم بأن تصل موسيقا صوته الرخيم إلى كل أذن، وأن تهز آهاته أوتار كل قلب، قبل أن يحلم بتكوين ثروة من إقامة الحفلات، وقبل أن يفكر في تعيين محامٍ لملاحقة من يتعدى على حقوقه في الملكية الفكرية. ومثل اللاعب والمغني، لا يصبح الممثل ممثلاً، لو لم يكن يعشق حب الظهور. 
أما إذا اجتمع في شخص كونه لاعب كرة، ويغني أيضاً، أو ينتهز أية مناسبة عامة يحضرها آلاف الناس، فضلاً عن وجود عشرات الكاميرات، ينتهز ذلك لتلاوة الآيات القرآنية أو لرفع الآذان، وهو إلى ذلك يمثل كلما سنحت الفرصة، كأن يغادر مؤتمراً عالمياً وهو يفتعل الغضب، بينما علاقات بلاده سمن على عسل مع البلد الذي مثّل دور الغاضب على رئيسه، فمن المرجّح أن حب الظهور في هكذا شخص غاية غاياته وحلم حياته، وأن الاستعراض أمام الناس، بالكرة، والغناء، والتمثيل، داخلٌ في تركيبته النفسية، وهو حال أردوغان.

وربما شاهدنا جميعاً أردوغان وهو يغني ويؤذن ويتلو القرآن «أمام الناس»، فضلاً عن تمثيلياته، لكن الظروف حالت بيننا وبين مشاهدته وهو يطيح باللاعبين ويحرز الأهداف، فقد كان في أول شبابه لاعب كرة قدم شبه محترف، ويُلقب بين زملائه بـ «الإمام بكنباور»، إذ كان يجمع آنذاك بين التقوى الظاهرية، والقوام الطويل، كاللاعب الألماني العملاق «فرانز بكنباور»، كما جاء ذلك في تقرير لمجلة «ذا نيو ريبللك» الأميركية، حول هذا «الإمام الكروي».
وبطبيعة الحال، حب الظهور والاستعراض لا يعيب اللاعب، ولا المغني، ولا الممثل، فهذا الحب أضفى الجمال على العالم، ولولا الكرة والأغاني والموسيقا والسينما والمسارح، لأكلَنا الملل والسأم، لكن المصيبة، كل المصيبة، إذا دخل السياسة شخص يعشق حب الظهور، تارة يلعب ليراه الجمهور، وتارة يغني ليراه الجمهور، وتارة يمثل ليراه الجمهور، وتارة يفعل كل ذلك على مسرح السياسة، حيث يتحدد عليه مصالح البشر ومستقبلهم.
لا يتحكم لاعب الكرة في مصير الناس، ولا المغني ولا الممثل، أما السياسي فهو يفعل ذلك، وهنا تمكن الخطورة في السياسي الذي يحب الظهور كأردوغان، فهو على استعداد لتغيير مصائر البشر، مدفوعاً بحب الظهور الذي يستحوذ عليه، فيمثل دور الذي يتعرض نظامه لمحاولة انقلاب، ويزج بالآلاف في السجن، أو يحرمهم من وظائفهم نتيجة ذلك التمثيل، ويتلو على الناس القرآن ليعيدوا انتخابه، ويستغل الدين كسيناريو لأفلامه الخيالية، ويلعب بمصير اللاجئين، ويسددهم إلى مرمى أوروبا، كأنهم كرة.
*كاتب إماراتي