توحدت المخاطر في العالم كله، وللمرة الأولى، أصبح الجميع يواجهون التحدي ذاته، ولديهم الخوف من العدو نفسه اللامرئي، ونطقوا الكلمة نفسها (Covid- 19). 
والمربك في الأمر، وجود تخوف يتجاوز خطورة تحليلات ولادة هذا الفيروس الشرس ومصدره، سواء أكان بفعل بشري مقصود، أو خطأ مخبري مسرب، أو نتاج كوني طبيعي، أو حتى «عقاب إلهي»، تخوف يكمن في النتاج الفكري، والتصور إزاء حال العالم القادم الذي يتحول بسرعة أكبر من انتشار الفيروس إلى قناعات فردية، ثم ثقافة محلية، ثم بوصلة تحرك القوى العالمية. 
فمن الطبيعي وجود الآراء البارزة على شكل (طفرة)، وليس بغريب ذلك على عالم حصدت الجائحة أرواح مئات الآلاف من سكانه، ولا ينفك يراوغ بالمزاودة على حلبات المصارعة الإلكترونية مشككاً بوجود المرض من الأساس، ولكن حين يتعلق الأمر بولادة صورة جديدة لصراع الحضارات، فإن الخطر يكمن في أنها لا تشبه الصراعات السابقة، التي اعتمدت في نشوبها سقوط منظومات لم يخيل لأحد أن تواجه هذا القدر يوماً، وغير ذلك من الظروف، ولكن صراع الحضارات اليوم يتجه نحو مزاعم، ونحو صور خلقت في ذاكرة «اللاوعي» الموجودة لدى المركزيات المحركة، لما كان يدعى «القطبية» العالمية. 
بعد سقوط القطبيات الكبرى، التي جذبت معها خلاصة عميقة من نتاج فلسفي، أصبح يبلوره فلاسفتها في صورة غير قابلة للمساس، وقاموا هم ذاتهم «على استحياء»، بالتلويح بسقوط تلك الإمبراطوريات، وهذا ما يعاش بين طيات كتاب الفيلسوف صمويل هنتنجتون «صراع الحضارات»، و«نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما، ظهر الفارق بين صراع الحضارات الغابرة، وصراع الحضارات الآتي والذي يكمن في الدافع في ذلك الصراع والمنافسة، وبخاصة حينما توضع منطلقات «نظرية المؤامرة»، كأداة مواجهة في خضم ظرف عالمي يرتدي حلة الأمراض المزمنة «المجنونة»، التي عبثت في كافة أشكال ومناحي الحياة، لتواجه بمناوشات سرعان ما تنقلب لفكاهة، إذ إن هذا التحدي لا يقابل بالتسمية «الفيروس الصيني»، الذي لن يجلب معه إلا المزيد من التراجع، بل إلى خطط عقلانية، وأطر ومنطلقات منطقية ملموسة. 
وفي خضم هذا العصف كله، يقف الكثير من الدول العربية، المعجبة بلقب «مسكينة»، لتواجه هذه الزوابع العالمية، والمخاض الحضاري الساخن، بالوقوف على أطلال الماضي، بعبارات مثل «كنا»، و«كان»، حتى يصلوا إلى «خبر كان»، ويخدع نفسه من يتقوقع على صور جامدة، ساعياً لقياس الماضي على الحاضر، دون الأخذ بعين الاعتبار الضرورات المتعلقة بالظرفية الزمانية والمكانية، يهيئ وكأنما هو في ليلة صيفية هادئة، على أنغام أمواج بحر اختار الانصات لنوتاته عبر هاتفه المحمول، دون أن يتخيل عناء السفر لمكانه، أو حتى أن تقدر عدد الساعات التي يحتاجها فعلياً للوصول إليه، ليقلب صفحات كتاب الفيلسوف الأميركي فرانسيس فوكوياما – مثلاً - مبحراً في تفاصيل «نهاية التاريخ»، بينما يجاهد نفسه – كأعلى تقدير - بعقد حاجبيه لـ«يعيش اللحظة» بأصدق ما يمكنه من فهم بعيد كل البعد عن الأحداث التي عايشها العالم آنذاك، على وجه الحقيقة. 
ورغم ما يميز الطبيعية البشرية من سرعة النسيان، وصعوبة التعلم، إلا أن المأمول هو استيعاب الفارق الذي قصم ظهر «العادة» خلال أزمة (Covid 19)، والصعود على صهوة العقل، وعدم البقاء في حالة «الزهو»، التي عايشها الكثير من الشعوب التي لم تتعلم بعد من دروس الثورات الأميركية، ولا البريطانية، ولا الفرنسية، والبلشفية، والإيرانية، وغيرها من المعتركات الدينية التي بلغت أكثر من مائة وعشرين، والأيديولوجية الأولى والثانية، ونطاحات العالم مع الإرهاب كـ«القاعدة» و«داعش»، وغيرهما. 
الغريب أيضاً أن توجه القوى الكبرى نحو تبني تفكير بعيد عن المنطقية، والحنكة السياسية والاقتصادية والمآلات الحضارية قد يعتبر اقتراباً من سمات «الدول النامية»، بطريقة تتجاوز الاستماع لمصطلح «العالم الجديد»، بدلاً من المساهمة في تحقيقه، ورسم حذافيره، لتصبح  دول الشرق الأوسط بمثابة أوكسجين نقي، في ظل الانحباس الحراري الذي يخنق العالم.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة