خلال شهر سبتمبر الجاري تُكمل روسيا مرور خمس سنوات على تدخلها المباشر في سوريا. وتشير بعض التقارير إلى أن كلفة هذا التدخل (خارج أوقات المعارك) تزيد على ثلاثة ملايين دولار يومياً، فأما كلفة المعارك فقد تصل إلى أرقام ضخمة حسب نوعية السلاح المستخدم في كل معركة وحسب عدد أيام المعارك وهي الأطول والأغزر خلال السنوات الماضية، وليس سراً أن بعض هذا الإنفاق ساهم في تسويق الأسلحة الروسية التي أثبتت أنها فتاكة وفتحت لها أسواق عديدة (كما صرحت روسيا التي جربتها عملياً في سورية) لكن هذا لا يعوض التكاليف الضخمة، مما يجعل التعويض السياسي هو الأهم، فقد عادت روسيا إلى الساحة العالمية بقوة، وباتت علاقتها مع الصين وإيران منذرة بقوة التحالف الجديد المتطلع إلى إنهاء تفرد قطب واحد في القرار الدولي.
ولقد جاء الاتفاق الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا مضطرباً بهدف وقف التصعيد وفتح الطرق الدولية، وقد تم خرقه عبر تمدد الجيش السوري عسكرياً في ريف إدلب وحماه رغم وجود نقاط مراقبة، ولم تنجح محاولات الدوريات المشتركة الروسية والتركية بتحقيق فتح الطريقين دون توتر المعارضة التي لا تطمئن لمستقبلها في الشمال، وهي تعتقد أن هدف روسيا هو إنهاء القضية بالحل العسكري الذي التزمت به الحكومة السورية منذ بداية الصراع، ومكنته روسيا التي سعت مؤخراً إلى أسلوب المصالحات التي بدت هشة في الجنوب الذي يطالب روسيا بتحقيق الالتزامات، وللإنصاف بدا أن الروس يحرصون على النجاح فيها، لكن التغلغل الإيراني يجعل المهمة صعبة على روسيا التي تصطدم مع حلفائها دون أن تصرح، ويبدو أنها تريد أن تتفرد بالحل في سوريا، لكن الولايات المتحدة تصر على أن يكون الحل النهائي سياسياً، وأن تعود المفاوضات إلى مسار جنيف، وقد أخفق مشروع روسيا حين دعت إلى البدء في تمويل إعادة الإعمار وفي عودة اللاجئين قبل الحل النهائي، بهدف الاستغناء عن متابعة المفاوضات.
وقد جاء «قانون سيزر» برفض صريح لإعادة الإعمار أو عودة اللاجئين دون حل سياسي وفق خريطة الطريق التي رسمها القرار 2254 وفيه عقوبات حازمة وذات طابع دولي ولا تتوقف إلا إذا تم الإعلان عن تنفيذ الحل السياسي، وقد اعتبرت انعقاد اللجنة الدستورية عودة لمسار جنيف، رغم مخالفة التراتبية في سيناريو الحل الذي يجعل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي نقطة البداية.
ويبدو أن روسيا وتركيا اللتين تحرصان على مصالحهما الاقتصادية وتكمينها، باتتا مضطرتين للتمسك باتفاق 5 آذار 2020 على الرغم من بعض التنازلات العملية على الأرض. 
وأعتقد أن الولايات المتحدة التي بدأت تنشغل بالتحضير للانتخابات الرئاسية تحرص أن يبقى الحال على ما هو عليه إلى العام القادم، حيث ستبدأ في منتصفه انتخابات الرئاسة في سوريا، وأعتقد أن الأميركان يخفون مضامين اتفاقهم مع روسيا التي تبدو قابلة للمتابعة في الحل السياسي، وتسعى لحضور أكبر في تفاصيله وقد كان لافتاً أن يتحدث لافروف عن المعتدلين في المعارضة.
ورغم أن روسيا لم تعلن عن مضامين الرسالة التي حملها لافروف إلى دمشق فإن طبيعة الوفد الذي ترأسه نائب رئيس الوزراء الروسي «يوري بورسيف»، تؤكد أن الرسالة لم تكن لتوقيع اتفاقيات اقتصادية تضمن مصالح روسيا مستقلاً فقط، وإنما هو لتوضيح وتثبيت ما تم من اتفاقيات دولية سرية حول الحل النهائي، ولا أجد رغم التصريحات المعلنة أن الزيارة تحمل طابع التحدي للولايات المتحدة أو اختراقاً لـ«قانون قيصر» رغم الحديث الصحفي عن بدء إعادة الإعمار.
إننا نرجو أن يستمر وقف إطلاق النار وألا يخترق، ولعل تصريح لافروف حول ما سماه الهدوء النسبي إشارة إلى ضرورة استمراره، ونرجو أن تستعيد كل الأطراف جولات التفاوض المعطلة لبحث الملفات الأساسية بالتزامن مع عمل اللجنة الدستورية كي لا تكون اجتماعاتها مجرد كسب للوقت، وألا يتم إهمال ملف المفقودين واللاجئين، وهؤلاء هم من يعانون أشد المعاناة من الإهمال الذي طال، ونرجو ألا يفتر حماس أصدقاء سوريا في دعم الحل السياسي للخروج من مستنقع الدماء ومن خطر المجاعة والأمراض التي لا تجد علاجاً.
*وزير الثقافة السوري السابق