يعد رئيس الوزراء الياباني القادم «يوشيهيدي سوجا»، المقرر أن يتولى منصبه هذا الأسبوع، من أشد المعجبين بشينزو آبي. لكن هذا لا يعني أنه نسخة كربونية منه.
في الواقع، فإن درجات الاختلاف بين الرجلين في بعض القضايا الرئيسية مهمة، لا سيما عندما يكون الاقتصاد المعني هو ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وجزءاً مهماً من التصنيع والتجارة العالميين، ورائداً في معدلات الفائدة المنخفضة للغاية والتيسير الكمي.
المسألة الأولى التي يجب مراعاتها هي ضريبة الاستهلاك في اليابان. وقد تم إلقاء اللوم في الزيادات على حالات الركود السابقة، وكان كبار الوزراء يدورون حول الموضوع. وبصفته المتحدث الرئيسي باسم الحكومة، كان «سوجا» حريصاً على عدم فصل نفسه عن «آبي» كلما أثيرت هذه القضية الساخنة.

كل ذلك تغير يوم الخميس الماضي، عندما بدا أن «سوجا» لا يتفق على هذا، واصفاً زيادة الضرائب باعتبارها أمراً لا مفر منه وربطها بمخصصات الشيخوخة وتقلص عدد السكان في البلاد. (على النقيض من ذلك، شدد آبي على رعاية الأطفال والتعليم عندما تم دفع آخر ارتفاع في أواخر عام 2019.) وبعد أقل من 24 ساعة، كان «سوجا» يسير -أو يركض- متراجعا عن ملاحظاته. ففي مؤتمر صحفي يوم الجمعة، قال إن رفع الضريبة إلى ما بعد العشرة بالمئة الحالية لن يكون ضرورياً لعقد آخر، مما يجعل لغته تتماشى مع لغة آبي. جدير بالذكر أن الاقتصاد الياباني انكمش بمعدل سنوي ضخم بلغ 28.1% في الربع الأخير، وهو أكبر معدل منذ خمسينيات القرن الماضي، وسط جهود لاحتواء الوباء. إن آخر شيء يحتاجه أي شخص هو تعثر الإنفاق الاستهلاكي. لقد أعقب الزيادتان الضريبية السابقتان فترات ركود. لكن الطبقة السياسية تبذل قصارى جهدها لعدم الحديث عن الضريبة بين الزيادات. وتم تأجيل التعديل الأخير عدة مرات قبل تنفيذه في أكتوبر، كان لا بد من دفع «آبي» نحوها من قبل وزارة المالية، التي كانت معقلاً قديما للمحافظة المالية. ومع ذلك، فإن «سوجا» ليس مخطئاً لربط انتعاش الاقتصاد على المدى الطويل بالإصلاح المالي. إن بعض الزيادة في العبء الضريبي أمر لا مفر منه تقريباً في المستقبل نظراً لعدد القنوات الحكومية التي فُتحت منذ انفجار فقاعة العقارات قبل ثلاثة عقود، والوباء الحالي. وقد خلص مركز اليابان للبحوث الاقتصادية، وهو مؤسسة فكرية، إلى أن البلاد ستواجه ديوناً متزايدة، وزيادات ضريبية، وتوقفا للنمو حتى ثلاثينيات القرن الحالي، وفقا لتقرير حديث. ومع ذلك، فإن معالجة هذا الآن بشكل خاص ستكون في توقيت سيئ.
فما الذي ينذر به هذا على المدى المتوسط إلى الطويل؟ يشير تغيير رأي «سوجا» إلى أنه لا يريد إفساد رئاسته للوزراء قبل أن تبدأ. قد تشير زلته إلى أن فكرة خفض ضريبة الاستهلاك، التي تم طرحها عدة مرات هذا العام كوسيلة لإعادة تنشيط النمو، لم تعد مطروحة على الطاولة. أو ربما تكون الزيادة شيئاً يجب مراعاته بعد الانتخابات العامة. وقال وزير الدفاع «تارو كونو» إنه يتوقع إجراء اقتراع الشهر المقبل.

يمكن أيضا اكتشاف علامات مبدئية على الاستقلال الذاتي عن «آبي» في تصريحات «سوجا» بشأن السياسة النقدية والخدمات المصرفية. لقد تعهد منذ فترة طويلة بالولاء للسياسات الاقتصادية التي يؤيدها شينزو آبي والمعروفة باسم «آبينوميكس»، وهو برنامج التحفيز المميز لرئيس الوزراء المنتهية ولايته. كما أيد «سوجا» تفضيل رئيس الوزراء للتيسير الفائق في البنك المركزي الياباني (بنك أوف يابان)، وهي استراتيجية اتبعها محافظ البنك «هاروهيكو كورودا» منذ تعيينه عام 2013. بينما فضل «آبي» اختيار رجله والسماح له بالاستمرار في العمل، أشار «سوجا» إلى أنه سينظر في دفع بنك اليابان إلى مزيد من الخطوات لإعادة إنعاش الاقتصاد. إن بنك اليابان مستقل، رغم أنه، مثل معظم البنوك المركزية، مهتم بالسياسة.

ومن جانبه، قال «كورودا» إنه مستعد لمزيد من التيسير، إذا لزم الأمر، لكن المسؤولين قلقون بشأن تأثير المعدلات السلبية على البنوك الأصغر. يقول «سوجا» إن المشكلة الرئيسية تكمن في وجود عدد كبير جداً من البنوك الإقليمية، وأنه يفضل دمجها. يشير هذا إلى أن الأرباح المتوترة بين المقرضين الإقليميين لن تمنعه من دعم تخفيضات أسعار الفائدة بشكل أعمق.
إن الخروج من ظل «شينزو آبي» أمر صعب عندما يكون له مثل هذا الحضور الهائل. لقد كان «آبي» رئيس الوزراء الذي قضى فترة هي الأطول في منصبه، وسيطر على الحزب «الليبرالي الديمقراطي» الحاكم. وقبل انتخابه في عام 2012، كان هناك باب دوار للقادة. ولا تبدو أي من تصريحات «سوجا» وكأنها تصريحات ثورية. وفي ظل وجود فيروس كورونا، سيكون لديه الكثير من المهام -مجرد الاحتفاظ بوظيفته سيمثل أولوية. لكن المفاجأة الغريبة هنا وهناك يمكن أن تحمل تلميحات لصنع السياسات في المستقبل.

* كاتب أميركي متخصص في الاقتصادات الآسيوية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»