لا البحرين ولا الإمارات بحاجة لتوضيح مواقفهما التاريخية بدعم القضية الفلسطينية، فهي معروفة، لكن ما تغير هو التحديات والأولويات، وكثرة الخصوم في المنطقة والطعنات حتى من بعض الأقربين للأسف، إضافة إلى ذلك، وبعد مرور 73 سنة على القضية من دون حل، لا بد من تغيير الاتجاه، من مقاطعة إسرائيل إلى بناء علاقات دبلوماسية، لعل ذلك يكون أحد الحلول حتى ولو بطريقة غير مباشرة. 
إن من أهم الأسباب التي دفعت إلى المبادرة الدبلوماسية أن دول الخليج، خاصة بعد «الربيع العربي» المشؤوم، أصبحت محاطة بدول فاشلة ومضطربة أمنياً، وبالتالي فهي بحاجة إلى إقامة علاقات مع دول قوية عسكرياً واقتصادياً في المنطقة، خاصة في ظل وجود دول إقليمية معادية، ولا شك أن إيران هي التهديد الأول للأمن الوطني البحريني، وتركيا هي المهدد الأول لأغلب الدول ذات الغالبية السنية بسبب دعمها لجماعة «الإخوان» الإرهابية ومطامعها التوسعية. 
والسبب الآخر المهم هو أن الولايات المتحدة، سيتحول ثقل تركيزها من منطقة الشرق الأوسط إلى دول شرق آسيا، خاصة مع صعود التحدي ضد الصين، وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستتخلى عن حلفائها، لكنها لن تكون بنفس الثقل، وخاصة أن هناك إجماعاً بين الحزبين حول الدعوة التي يطلق عليها «التوازن الخارجي»، وهذا مما دفع الدول الخليجية إلى البحث عن حلفاء إقليميين لمواجهة أطماع ونفوذ الدول الإقليمية المعادية. 
وعلاوة على الدوافع السياسية والأمنية، هناك آفاق حقيقية للتعاون الاقتصادي والتقني ستفتحها الاتفاقيات الدبلوماسية، ويعد الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي مجالاً واضحاً للتعاون المحتمل، وكذلك استخدام المياه في الزراعة الصحراوية، إلى جانب المجالات التجارية والبنوك، وكذلك التعاون في المجال الطبي.
لكن لكي يتم التعاون في كل هذه المجالات، لا بد من التغلب على ما تم غرسه طيلة السنين السابقة، وهذا ما شرحه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، في مقاله بصحيفة «وول ستريت جورنال»، من أنه يتعين التغلب على الأيديولوجيات، خاصة القادمة من الدول غير العربية في المنطقة والأطراف غير الحكومية في محور «المقاومة» الدائمة، ممن يدافعون عن التطرف ويشعرون بالحنين إلى الإمبراطوريات المفقودة والمهووسين بإنشاء خلافة جديدة، وأن الحل لتجاوز ذلك يكون بتحديث مجتمعاتنا بغية تحقيق الاستقرار، ولعل أهم وسيلة لذلك تتم من خلال مناهج التعليم. 
إن التحديات والحقائق فرضت تحالفات جديدة في المنطقة، لكن أهم ما يجب التنبيه إليه وتربية الأجيال الجديدة عليه، هو أن شأن الوطن مصيري، وحماية مصالحه والحفاظ على كيانه أولوية، وبدون ذلك لن تحل أي قضية.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي