قد يعتقد البعض أن المشاريع التي تطلقها بعض الدول لاستكشاف الفضاء بشكل عام، والكواكب الأخرى بشكل خاص، وتنفق في سبيلها ميزانيات ضخمة، جهد يذهب هباءً منثوراً، ولا يدرك هؤلاء الفوائد الحقيقية من وراء استكشاف الفضاء، والذي تُسخر له الدول المتقدمة العقول قبل الأموال. وتتضمن أبرز تلك الفوائد اللحاق بركب الدول القليلة جداً على مستوى العالم، والتي استطاعت تحقيق قفزات علمية ضخمة منذ خمسينيات القرن الماضي في مجال استكشاف الفضاء، وحققت التقدم العلمي التكنولوجي الكبير، بجانب القدرة على توفير مئات الوظائف لمواطني تلك الدول في مجال علوم الفضاء. أضف إلى ذلك، التطور الذي يحدث للمناهج التعليمية في تلك الدول، وإعداد وتأهيل كوادر بشرية وطنية متميزة في مجال علوم الفضاء، ثم القدرة على دراسة المناخ والتنبؤ بالظواهر المناخية، ودراسة كوكب الأرض، ورصد تحركات النيازك والتنبؤ بحركتها في حال شكلت خطر على الأرض. وأخيراً، هناك التعاون الدولي في استكشاف الفضاء، ومثال ذلك محطة الفضاء الدولية، التي تشارك فيها خمس وكالات فضاء رئيسية للولايات المتحدة الأميركية وروسيا وكندا واليابان، ووكالة الفضاء الأوروبية التي تضم 22 دولة أوروبية.
تلك هي أبرز الفوائد من وراء برامج استكشاف الفضاء، والتي وضعتها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في عين الاعتبار، بجانب فوائد استراتيجية أخرى، عند الإعلان مؤخراً عن الاستراتيجية الجديدة لمركز محمد بن راشد للفضاء 2021 – 2031، تلك الاستراتيجية التي نقلت برنامج الإمارات لاستكشاف الفضاء إلى مرحلة جديدة، وهي استكشاف القمر بجانب «مسبار الأمل»، الذي تم إطلاقه في رحلة سيقطع خلالها 493 مليون كيلو متر نحو الكوكب الأحمر، على أن يصل إلى مدار كوكب المريخ في الربع الأول من عام 2021، بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بالذكرى الخمسين لقيام الاتحاد. 
ويقوم مشروع استكشاف القمر على تطوير وإطلاق أول مستكشف إماراتي للقمر تحت اسم «راشد»، على اسم المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، باني دبي الحديثة. وستقوم حكومة الإمارات بتسخير سواعدها الوطنية من المهندسين والخبراء والباحثين وتوفير كافة سبل النجاح لهم، ليقوموا بتصميم المستكشف وبنائه بجهود إماراتية 100%، في خطوة ستضع دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الرابعة على مستوى دول العالم، التي تقوم بمهام استكشاف القمر لأغراض ‬علمية، ‬بعد ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأميركية ‬والاتحاد ‬السوفييتي ‬/سابقاً/ ‬والصين، ‬ولتكون ‬أول ‬دولة ‬عربية ‬تقوم ‬بتلك ‬المهمة ‬العلمية.
وبذلك تنجح دولة الإمارات في تحقيق قفزات تاريخية في مجال استكشاف الفضاء، ولكن بأسلوب علمي متدرج ومدروس، بدأ بإعداد وتأهيل الكوادر الوطنية المتميزة، ووضع الاستراتيجيات الشاملة والمناسبة، ثم تأسيس البنية التحتية التقنية، فبناء وإطلاق الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، ثم إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، حتى إطلاق مسبار الأمل وأخيراً، وليس آخراً، إطلاق مشروع مستكشف القمر. وتعكس تلك الرؤية الإماراتية الإرادة القوية للارتقاء بقطاع الصناعات الفضائية في الإمارات والمنطقة، وتمكينه للمساهمة في صناعة المستقبل بعقول وسواعد إماراتية وعربية مبتكرة، بجانب تعزيز تنافسية قطاع الصناعات الفضائية، إقليمياً وعالمياً، ما سيضع الإمارات في مصاف الدول المختصة بدراسة وتطوير علوم الفضاء، بجانب بناء شراكات استراتيجية عالمية في هذا المجال. كما ستساهم رؤية الإمارات في قطاع استكشاف الفضاء في تطوير قاعدة بيانات علمية مجانية، إضافة إلى ابتعاث نهضة علمية عربية، تلك هي رؤية الإمارات في مجال استكشاف الفضاء، والتي بلا شك تقوم على سواعد أبنائها، وهم العمود الفقري لكافة إنجازات الدولة منذ تأسيسها.