مع إدراج اسم حاكم مصرف سوريا المركزي حازم يوسف قرفول ضمن حزمة العقوبات الأميركية، بموجب قانون «قيصر»، الذي وضع موضع التنفيذ في 17 يونيو الماضي، سجل سعر صرف الليرة السورية تراجعاً ملحوظاً حتى اقترب من 2300 ليرة مقابل الدولار. واعتبر وزير المالية والاقتصاد عبدالحكيم المصري ذلك «أمراً مهماً جداً»، معترفاً بتأثيره على المصرف بشكل كامل، إضافة إلى العقوبات على الشركات المتعاملة معه، ما سيوقف تعاملها مع الخارج، وبالتالي «تفقد القدرة على تأمين القطع الأجنبي»، الأمر الذي يؤدي إلى استفحال الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني سوريا من تداعياتها السلبية، وهي الأسوأ منذ الحرب التي دخلت عامها العاشر. 
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي أقرت فيه الحكومة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المقبل والبالغة 8.5 تريليون ليرة، أي ضعف موازنة العام الحالي البالغة 4 تريليونات ليرة، لكنها تساوي أكثر من 11 ضعفاً مقارنة بموازنة 2010 (قبل الأحداث) والبالغة 754 مليار ليرة. ولمعرفة مدى خطورة تدهور قيمة الليرة السورية، فإن الموازنة تراجعت من 16.5 مليار دولار إلى 3.4 مليار دولار فقط، خلال 10 سنوات من الحرب والاضطرابات الأمنية والسياسية. 
لقد قدّر تقرير لجنة «إسكوا» خسائر سوريا جراء الحرب بنحو 442 مليار دولار. أما تكلفة إعادة الإعمار فتتجاوز قيمة الخسائر. ومن هنا تبرز أهمية التنافس الإقليمي والدولي على استثمار المشاريع المرتقبة. لكن المشكلة تبقى في التمويل الأجنبي، وهو غير مضمون، علماً بأن طهران وموسكو تواجهان صعوبات في تمويل مشاريع بعض العقود المبرمة مع الحكومة السورية. لذلك تتطلع موسكو لجذب الاستثمارات الأميركية والأوروبية والعربية للمساهمة في تأمين التمويل المطلوب. وفي هذا السياق بدأت تسعى لإنجاح اجتماعات اللجنة الدستورية التي عقدت ثلاث جلسات متتالية، وفشلت في عقد الجلسة الرابعة التي كانت مقررة يوم السادس من أكتوبر الجاري، رغم الجهود الحثيثة التي بذلها المبعوث الأممي غيربيدرسون. ويعتقد مراقبون أن عقوبات قانون «قيصر» وراء الانعطافة الروسية، حتى أن وزير الخارجية سيرغي لافروف أشار في زيارته الأخيرة لدمشق إلى أن «بلاده تدعم اللجنة الدستورية، لكن العقوبات تعيق عملها». 
ويعد قانون «قيصر» الأميركي الأول من نوعه، ويتميز بأنه لا يفرض العقوبات على الحكومة السورية، بل يعاقب بشكل مباشر ومحكم كل من يتعامل معها من الدول والكيانات، فإيران وروسيا كحليفتين أساسيتين هما عرضة للعقوبات إذا استمرتا بالدعم وتقديم المساعدات لها مهما كان نوعها، مالية أو تقنية أو عسكرية، حتى إذا أرادت شركة روسية مساعدة قوات روسية متواجدة على الأراضي السورية في المعدات والصيانة، تصبح معرضة للعقوبات. وكذلك تبعد العقوبات كل الطامحين إلى الاستثمار في سوريا عن الانخراط في أي مشاريع لإعادة الإعمار، كما ستعيق جهود حلفاء الحكومة السورية عن توفير الدعم لها من البوابة اللبنانية. 
وهكذا تعمل العقوبات الأميركية على ثني المستثمرين عن دخول سوريا، وتعمق عزلتها عن النظام المالي العالمي، وهي تقضي على أمل روسي سوري في بدء حملة عالمية لإعادة الإعمار قبل إنجاز الدستور الجديد، وتحقيق مرحلة الانتقال السياسي الذي يرضي جميع الأطراف.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية