احتفلت المنظمة الأممية بالذكرى الـ75 لتأسيسها في سبتمبر الماضي خلال اجتماع للجمعية العامة، وفي وقت يشهد فيه العالم اضطراباً كبيراً يتفاقم بفعل عدة أزمات، على رأسها أزمة «كوفيد - 19» ذات الآثار الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة وغير المسبوقة في عصرنا هذا. فالفيروس حتّم على المجتمع الدولي ودفعه لعقد اجتماعه عبر «الإنترنت»، فيما القاعة فارغة تماماً.
ولعل هذه الذكرى وما رافقها من أجواء «افتراضية» تشكّل فرصة لإعادة التفكير بتصحيح مسار المؤسسة الأممية كي تكون أداة حقيقية للوحدة بين الدول وخدمة العائلة البشرية بأكملها، خاصة أن كثيرين حول العالم ينظرون بقلق تجاه مستقبلها في ظل الصعوبات التي تواجه محاولات إصلاحها، وسط الاستقطابات والتوترات الدولية المختلفة، إلى جانب بوادر الحروب التجارية.
75 عاماً هي فترة زمنية كافية لتقييم ما أسهمت به المنظمة بشأن حفظ الأمن والسلم العالميين، وخصوصاً في المنطقة العربية؛ لأن الهدف المباشر من إنشاء المنظمة كان منع نشوب حرب عالمية ثالثة، وتجنيب البشرية ويلاتها، لا سيما أن تجربة عصبة الأمم التي نشأت عام 1920 في أعقاب الحرب العالمية الأولى كانت حاضرة في ذاكرة المؤسسين على ضوء فشل العصبة في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد سنوات قليلة من تأسيسها. ورغم نجاح الأمم المتحدة في منعها بمعناها المادي، إلا النظام الدولي عجز في السنوات الأخيرة عن تفعيل آلياته لوقف صراعات داخلية كثيرة أو حروب دموية شهدتها مناطق واسعة من العالم، وأزهقت أرواح الملايين من البشر. 
أمثلة كثيرة حاضرة على إخفاق الأمم المتحدة في فرض الحلول الناجعة بالنسبة للعديد من القضايا، ومن بينها القضية الفلسطينية، والحرب العراقية -الإيرانية، والإرهاب الدولي. تلك الإخفاقات دفعت الكثيرين لاتهام الأمم المتحدة بفقدان الفاعلية والحسم في قراراتها. 
لكن التقييم الموضوعي يلزمنا بالتنويه إلى أن دور الأمم المتحدة قاصر على النصح والمشورة. فهي تملك دوراً تنفيذياً، ولا تملك صلاحيات لاستخدام القوة، وغالباً ما تسيطر على قراراتها رغبات الدول الكبرى، ومع ذلك فهي ليست عديمة الفائدة، فهي توفر ساحة للحوار والنقاش والتفاهم بين حكومات الدول المختلفة، سواء لتجنب أزمات ما، أو لتهدئة أزمات هي قائمة فعليا، ثم إن الوكالات التابعة للأمم المتحدة، ومن بينها «اليونيسكو، اليونيسيف، منظمة التجارة العالمية» أسهمت إلى حد ما في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أرجاء مختلفة من العالم، كما نسقت المنظمة العديد من الترتيبات المتعلقة بالاتصالات السلكية واللاسلكية، ومراقبة المنشآت النووية للدول، وأرسلت بعثات لحفظ السلام إلى عدد من البلدان التي التهمتها الحروب. 
ومن المفارقات أن جامعة الدول العربية والمنظمة الأممية تأسستا في العام نفسه مع اختلاف الأشهر، فالجامعة تأسست في مارس 1945م، ومن المضحكات المبكيات أيضاً أن ما يوجّه للمنظمة من اتهامات وانتقادات يكاد يتطابق مع ما تواجهه الجامعة العربية كذلك، وما تعانيه من مشاكل ومعضلات وضعف وغياب التأثير عربياً وإقليمياً ودولياً في مجمل القضايا والصراعات، وليس الحل في إنهاء هذين الكيانين، إنما البحث الجاد والمسؤول من قبل الدول عن حلول جذرية وموضوعية وواقعية تعيد - سواء للمنظمة أو للجامعة - القوة الكافية لتأخذ مكانتها اللائقة بها، والأدوار المنتظرة منها منذ تاريخ تأسيسهما. 
إن تقييم دور وأهمية مثل هاتين المنظمتين - وعلى اختلاف مكانة وموقع كل واحدة منهما - هو محل جدل وخلاف بين المثاليين الذين يرون أنهما لم تحققا أهدافهما، وأن عالم اليوم تكتنفه أخطار كبيرة، والواقعيين المؤمنين بأنهما نجحتا في تحقيق أهدافهما حسب الإمكانات المتاحة لهما، ولكن، وعندَ «لكن» تلك علامات تعجب كثيرة.