جاءت توقعات منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» حول أسواق وأسعار النفط، والتي صدرت مؤخراً، لتؤكد ما ذهبنا إليه هنا قبل أسبوعين من أن الأسوأ بالنسبة لأسواق النفط وأسعاره قد انتهى، حيث أكدت المنظمة أن الطلب على النفط سيتنامى منذ الآن ليصل إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19 تدريجياً، مما سينعكس إيجابياً على مستويات الأسعار.
وأشارت المنظمة إلى توقعاتها حول سوق النفط العالمي خلال خمسة وعشرين عاماً القادمة، أي حتى عام 2045، عندما يبلغ الطلب على النفط 110 ملايين برميل يومياً، مقابل 100 مليون برميل قبل الجائحة، مما يعني أن الارتفاع سيكون متواضعا رغم الزيادة الكبيرة في عدد سكان العالم الذي سيصل عدد نسماته إلى 9.5 مليار بحلول عام 2045، حيث ستزداد حصص مساهمة مصادر الطاقة البديلة في ميزان الطاقة العالمي، إلا أن الطلب على النفط سيرتفع بنسبة 10% على الرغم من انخفاض نسبته من إجمالي استهلاك الطاقة، وهو أمر متوقع ومنطقي في ظل تطوير مصادر الطاقة البديلة النظيفة والمتجددة، غير أن النفط سيبقى سيد الموقف مقارنةً بكل مصادر الطاقة الأخرى.
لكن ما هي الأسس التي يستند عليها هذا التفاؤل بشأن تحسن الطلب واستقرار أسعار النفط في الفترة القادمة، حيث لم تتطرق توقعات «أوبك» لتفاصيل ذلك، إلا أنه يمكننا هنا توضيح أسباب هذا التفاؤل المبني على المعطيات المتوفرة؛ فأولا بدأ زخم الأنشطة الاقتصادية في بلدان العالم في العودة التدريجية بعد أشهر من عمليات الإغلاق الشاملة والمؤلمة، حيث عاودت معظم الأنشطة الاقتصادية العمل من جديد، بما في ذلك القطاعات الرئيسية المستهلِكة للنفط، كقطاع الطيران والمواصلات العامة والنقل، مما أدى إلى زيادة الطلب وارتفاع الأسعار.
وثانياً، وهو عامل مهم ساعد في سرعة التعافي الاقتصادي، فقد تأقلمت دول وشعوب العالم مع فيروس كورونا وعرفت كيف تتعامل معه دون الإضرار كثيراً بالأنشطة الاقتصادية، وهو الأمر الذي كان غائباً في بداية الجائحة بسبب الرعب الذي ساد المجتمعات والدور السلبي لوسائل الإعلام في بث هذا الرعب وتضخيمه. ففي الوقت الحاضر هناك مزيج من التعامل الناجح، والذي يجمع بين ممارسة الأنشطة الاقتصادية والالتزام بالتعليمات الوقائية، مما أدى إلى تشجيع العودة للحياة الطبيعية ودوران عجلة الاقتصاد مرة أخرى.
ويكمن العامل الثالث الخاص بهذه التوقعات في الحقائق المتعلقة بإمكانية التوصل إلى لقاحات فعالة لوباء كورونا مع نهاية هذا العام، مما سيعد تحولا جذرياً سينعكس على مناحي الحياة كافة، وبالأخص الاقتصادية منها، وهو ما سيؤدي إلى عودة الأنشطة الاقتصادية في الربع الرابع من العام القادم لتصل إلى مستويات قريبة من فترة ما قبل الجائحة.
ماذا تعني كل هذه التطورات المرتقبة التي أشرنا لها بالنسبة للبلدان المنتجة للنفط، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي التي تعرّضت وتتعرض لحملة تشويه وتحريض غير مسبوقة صورت اقتصادات هذه الدول، وصورتها كما لو أنها على شفا الانهيار؟!
يشير التحليل الذي توصلنا إليه إلى غير ذلك تماماً، فالاقتصادات الخليجية بشكل عام في طريقها للتعافي مع بعض الترسبات التي ستعاني منها الدول والمناطق الأقل إنتاجا للنفط، إلا أن الاقتصادات الخليجية في عام 2021 ستتجاوز مرحلة الانكماش الصعبة وستحقق نسب نمو تتراوح بين 2 و3% خلال العام القادم بعد نمو سلبي في هذا العام تراوح بين 4 و5.5%، كما أن عجز الموازنات السنوية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي والذي بلغ نسبة كبيرة وصلت 12% في بعض دول المجلس، سينخفض إلى 5% عام 2021، وهي نسبة يمكن التعامل معها بسهولة، مما يعني أن قطار النمو الاقتصادي الخليجي سينطلق مرة أخرى في السنة الجديدة تاركاً مروجي التحليلات والتقارير السلبية غير الموضوعية في حسرتهم بانتظار جولة اخرى من تشويه الحقائق.