مازال مرض كوفيد-19 قضية محورية تؤثر على مجريات السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا. والحالات الجديدة تتصاعد في الولايات المتحدة مع تفش جديد وخطير في الولايات الريفية مثل نورث داكوتا ومونتانا وفي ولايات كبيرة في الغرب الأوسط مثل ويسكونسن وأوهايو وإيلينوي. ورغم أن معدلات الوفيات ليست بمستواها المرتفع الذي بلغته في المراحل المبكرة من الجائحة في مايو وأبريل ويونيو، لكن الواقع أن الولايات المتحدة مازال بها أكبر عدد من حالات الإصابة في العالم، فقد سجلت أكثر من ثمانية ملايين إصابة، ومازال بها أكبر عدد من الوفيات بعد أن رصدت أكثر من 210 آلاف وفاة. والخوف يتلخص في أن الحالات الحالية مازالت تعد جزءاً من «الموجة الأولى» وأن «الموجة الثانية» لا فكاك منها بمجرد أن يصبح المناخ أكثر برودة.

وبلغت «موجة ثانية» من كوفيد-19 حالياً مستويات مثيرة للقلق للغاية في دول أوروبية كبيرة. فقد أصبحت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا تواجه مرة أخرى انتشاراً قياسياً للمرض في عدة مناطق من هذه البلدان مع حلول المناخ البارد، ومع تراخي الالتزام بممارسات التباعد الاجتماعي. واللوائح الجديدة بشأن الاجتماعات والمناسبات الاجتماعية والسفر يجري تطبيقها بصرامة أكبر بكثير مما يجري في الولايات المتحدة أو البرازيل. والعواقب الاجتماعية والاقتصادية لهذه الإجراءات الجديدة تسببت بالفعل في مشكلات سياسية للزعماء القوميين، ومن بينهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
ومع بقاء أقل من شهر على انتخابات الرئاسة الأميركية، يعقد الرئيس دونالد ترامب، بعدما خضع للعلاج من حالة إصابة خطيرة بكوفيد-19، اجتماعات انتخابية يومياً مع أنصاره لإقناعهم أنه تعافى تماماً وأن الفيروس في طريقه لأن يجري التغلب عليه. وحجته تتمثل في أن الاقتصاد سيعاود صعوده قريباً وأنه يمثل خياراً أفضل لاستعادة الرخاء إلى البلاد من منافسه «الديمقراطي» جو بايدن. ومع طرحه هذه الحجة، رفض تبني إجراءات التباعد الاجتماعي المشددة ونادراً ما يُرى وهو يضع كمامة أثناء الاجتماعات الانتخابية. وانزعج معظم المتخصصين في الطب من تجاهل ترامب لمخاطر الفيروس. لكن «بايدن» لم يهدر فرصة قط ليميز نفسه عن ترامب، فهو يتبع القواعد المشددة الخاصة بالتباعد الجسدي في اجتماعاته التي يحضرها عدد أصغر بكثير وتخضع لتحكم أكبر. وتقوم حجة بايدن الأساسية على أن إدارة ترامب فشلت في سياستها لتقليص ضرر الجائحة، وأن الاقتصاد لن يتعافى قبل السيطرة على الجائحة.

وفي هذه المرحلة في حملة الانتخابات، مازالت غالبية استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم قوي لجو بايدن على المستوى القومي وتقدم أقل قوة، لكنه مهم، في الولايات المتنازع على الفوز بها. ومازال «الديمقراطيون» يخشون أن تصبح انتخابات الرئاسة الحالية تكراراً لانتخابات 2016 حين كانت هيلاري كلينتون متقدمة في هذه المرحلة من السباق لكنها منيت بالهزيمة في الانتخابات. لكن الحراك هذه المرة أكثر دعماً لبايدن. فلا يواجه بايدن تحديات خطيرة من حزب ثالث قد يحرمه بعض الأصوات، كما أنه يحظى بتقدم كبير وسط كبار السن والأقليات ووسط الشبان الذين نشطوا في الآونة الأخيرة وسجلوا أسماءهم للمشاركة بالتصويت في الانتخابات بأرقام قياسية. وذهبت الجرأة ببعض المحللين إلى توقع تحقيق بايدن فوزاً ساحقاً وسيطرة «الديمقراطيين» على مجلسي الشيوخ والنواب.
فما الخطأ الذي قد يحدث لبايدن ويجعل ترامب يكرر انتصاره في عام 2016؟ الواقع أن بايدن هو أكبر المرشحين لمنصب الرئيس على امتداد التاريخ الأميركي حتى الآن، ولذا مازالت المسائل الصحية قضية مثيرة للقلق، خاصة في ظل وجود جائحة صحية. وقد تظهر على السطح فضيحة ما، لكنها لن تكون حاسمة على الأرجح في هذه المرحلة. ومعظم الأميركيين اتخذوا قرارهم بالفعل بشأن المرشح الذي سيصوتون له كما صوت ملايين منهم بالفعل. ولذا فالمراهنة تميل نحو فوز «بايدن». لكن كي يكون «بايدن» رئيساً فاعلاً، فهو يحتاج إلى فوز واضح و«موجة زرقاء (ديمقراطية)» يسيطر فيها «الديمقراطيون» على الكونجرس وفي انتخابات الولايات. بينما يتعين على ترامب أن يتعلق بأمل حدوث معجزة أو حظ سعيد مثل ذاك الذي صادفه في معظم حياته.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست»