أفرج وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو» عن بضعة آلاف من «الإيميلات» الخاصة بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وذلك تحت ضغط وطلب من الرئيس ترامب. ولعل السؤال هل جاءت الإيميلات لتحمل لنا في العالم العربي مفاجآت مدهشة؟
المؤكد أنها جاءت لتؤكد المؤكد، وغالبية ما أعلن على الملأ، كان قد أتى الكتاب الأميركيون على ذكره في مقالاتهم وكتبهم، وحتى هيلاري نفسها أشارت إلى الكثير منها في مذكراتها الشخصية. المفاجأة إذن تتمثل في عدم وجود مفاجأة من الأصل، فيما المقطوع به هو أن الخطير منها، والذي يتماس مع الأمن القومي الأميركي لم يفرج عنه بحال من الأحوال، ويلاحظ القارئ أن بعض من الإيميلات المفرج عنها تعرضت لمعالجات لإخفاء كلمات أو سطور بعينها.
ما هي أهم محاور الارتكاز التي يمكننا التوقف عندها في قراءة تلك «الايميلات»؟
بداية يمكننا الإشارة إلى المواقف العروبية والوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها التي كانت درعاً وسيفاً في سنوات عصيبة شغلت فيها هيلاري منصب وزيرة الخارجية، وربما كانت الأمور ستشهد مزيداً من السوء في قادم الأيام، لولا وقفات العز الإماراتية في مواجهة الدعم «الأوبامي» لتيارات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. الذين قدر لهم مطالعة عدد وافر من تلك «الإيميلات»، مع العلم أن الأكثر لم يقرأ بعد، يمكنه الحكم ومن غير تهوين أو تهويل، على الدور المشرف للإمارات وقيادتها الرشيدة في مواجهة مخططات الظلاميين، والتي بدأت في شمال غرب أفريقيا، وامتدت حتى مصر. 
نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في الزود عن الحياض العربية لا سيما المصرية بعد ثورة المصريين في 30 يونيو 2013.
تُبين لنا قراءة إيميلات هيلاري وبرأس بارد من غير عواطف جياشه مندفعة أن هناك في القلب من واشنطن من يريد أن يرسم لنا واقعنا ومستقبلنا، وربما يعزى ذلك إلى أننا في بعض الأحايين قد نقصر عن رسم صورتنا بأنفسنا.
منذ خمسينات القرن الماضي، وهناك من يعمل جاهداً على اختراق المجتمع الأميركي، وربما نجح هذا الفصيل الإسلاموي في تحقيق بعض التقدم، فيما كانت المواجهة مع الاتحاد السوفييتي والفكر الشيوعي مدخلاً معقولاً ومقبولاً للاستفادة من أصحاب الإسلام السياسي. أخطأت واشنطن أكثر من مرة حين تصورت أن جناح «الإخوان المسلمين» الحاضنة التي فرّخت كافة التيارات الإرهابية، يمكنها عند لحظة زمنية بعينها أن تضحى مصدراً لحكومات معتدلة تستنقذ شعوب المنطقة من الإرهاب، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومرة ثانية حين تصورت أن دول الشرق الأوسط يمكن أن يجمعها عقد يتلاعب بها كحبات المسبحة، وذلك عن طريق مرشد «الإخوان»، والذي سيكون البديل عن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. مهما يكن من أمر إيميلات الوزيرة كلينتون، فإن الدرس الأنفع والأرفع الواجب الخروج به عبر القراءة المعمقة، هو الحاجة الماسة، الجذرية والفورية، لنهضة وصحوة داخلية، تتلمس طرق المستقبل عبر العلم والمعرفة، ومن خلال الوسطية وصحيح الدين وخطابه الخلاق، والشراكة المجتمعية، وباختصار غير مخل وضع حد لحالة الانسداد التاريخي العربي، ما يعني نهضة داخلية تمتد أطرها إلى ما هو خارج الجغرافيا العربية وصولاً إلى ما وراء المحيط. وحين يضحى العالم العربي في موقع الفاعل من خلال رهانات ذاتية صحيحة، ساعتها لن تكون لإيميلات هيلاري أو ما عداها قيمة تذكر.
*كاتب مصري