حتى في تلك الحالات النادرة التي تتخذ فيها إدارة ترامب القرار الصائب في السياسة الخارجية، فإن ذلك عادة ما يكون بطريقة غير جيدة. ولعل خير مثال على ذلك قرارها بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب: مكافأة مستحقة على حسن السلوك مُنحت بطريقة قد لا تتناسب مع المصداقية التي تتعامل بها الحكومة الانتقالية ذات النوايا الحسنة في السودان.
الرئيس دونالد ترامب أعلن يوم الاثنين الماضي -عبر منصة تويتر بالطبع- أن إزالة اسم السودان من القائمة سيتم حالما تكمل الحكومة في الخرطوم دفع 335 مليون دولار من التعويضات لأسر الأميركيين الذين قُتلوا في تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» في عام 2000، وتفجيري السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998. ويذكر هنا أن هذه الهجمات التي نفذها تنظيم «القاعدة»، خُطط لها خلال الفترة التي مُنح خلالها أسامة بن لادن ملاذاً في السودان من قبل نظام عمر البشير. 
إزالة اسم السودان من القائمة هو القرار الصائب، مثلما حاججتُ بذلك طويلاً. وكان البشير نُحي من الحكم العام الماضي بعد مظاهرات مطالبة بالديمقراطية. وتحكم السودان حالياً حكومة انتقالية يقودها عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي سابق في الأمم المتحدة. 
الحكومة السودانية الحالية أداؤها تجاوز التوقعات. فقد أطلق حمدوك سلسلة إصلاحات سياسية واجتماعية مذهلة تفوق طموحات أشخاص آخرين يعتبرون أنفسهم إصلاحيين في العالم العربي. وشملت إلغاء حد الردة، وإنهاء عقوبة الجلد، وتجريم ختان الفتيات. 
ولعل الأكثر إثارة للذهول هو أنه أنهى فعلياً 30 سنة من الحكم «الإسلامي» في السودان، عبر الموافقة على فصل الدين عن الدولة. 
كما التزمت الخرطوم بمخطط إصلاحات اقتصادية مدعوم من قبل صندوق النقد الدولي. ووافقت الحكومة الانتقالية على اتفاق مع تنظيمات متمردة، وهو ما يبعث على التفاؤل بشأن سلام دائم بعد عقود من إراقة الدماء. 
هذه الإنجازات تعد أكثر لفتاً للانتباه لأنها نُفذت في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوداني، الذي أدير على نحو سيئ خلال العهد الديكتاتوري الطويل، من تأثيرات وباء فيروس كورونا: فالتضخم تجاوز 210 في المئة في سبتمبر الماضي، في وقت يتوقع فيه أن ينكمش الاقتصاد بـ7.2 في المئة هذا العام. ولا شك أن هذا التقدم يؤهل الخرطوم بكل تأكيد لمعاملة خاصة من قبل الحكومة الأميركية وصندوق النقد الدولي، الذي كان بطيئاً في إعادة هيكلة ديون السودان. 
ولو كانت الحكومة الأميركية أكثر تنبهاً إلى التطورات في الخرطوم، لكانت اعترفت بجهود الحكومة الانتقالية قبل أشهر، ولكانت أسقطت صفة «الراعية للإرهاب». دون المطالبة بتعويضات، وربما كانت الحكومة ستكون قادرة بشكل أحسن على التغلب على تردد المقرضين الأجانب. 
ولكن بدلاً من ذلك، قام ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو، اللذان يبحثان عن نجاحات في السياسة الخارجية بتهيئة الأجواء للسودان لإجراء علاقات مع إسرائيل. وحمدوك وإن بدا متردداً في الذهاب إلى ذاك الحد، ولكن يبدو أنه يسير في هذا الاتجاه. 
والواقع أنه من الوارد أن حمدوك، وبالنظر إلى جرأة إصلاحاته الأخرى، كان سيوافق في نهاية المطاف على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون إيعاز أميركي.
 أما في ما يتعلق بمسألة ما إن كان توقيت الإعلان سيغير شيئاً في حظوظ ترامب في الثالث من نوفمبر، فإنني أشك في ذلك كثيراً. 
بعد أن خضعوا لضغط بومبيو، يعوّل السودانيون الآن على إدارة ترامب من أجل إغاثة اقتصادية سريعة. وفي هذا الصدد، قالت وزيرة المالية هبة محمد علي لـ«خدمة بلومبيرج» في مقابلة عبر الهاتف من الخرطوم: «إننا نعلم جميعاً أن السودان يشهد ظروفاً صعبة ويحتاج لمساعدة عاجلة، ولهذا فإن الولايات المتحدة ستساعد بحزمة من المساعدات وبعض المال». 
ولكن يجدر بها ألا تنتظر. فبعد أن أزالت الاسم من القائمة، من المستبعد أن تبذل إدارة ترامب أي جهد في سبيل التأكد من أن السودان سيحصل على ثمار هذا القرار. بيد أن إزالة العقبة الأميركية قد يشجّع المقرضين على تخفيف الضغط على حمدوك. وربما، أقول ربما، يسمح للحكومة في الخرطوم بجلب بعض الاستثمارات الحيوية. 


* محلل سياسي أميركي مهتم بشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»