كانت إيطاليا أول دولة أوروبية تنتشر فيها إصابات فيروس كورونا وأكثرها تضرراً، ويحدوها أمل في أنها تفادت أسوأ عودة للجائحة الصحية. لكنها تتشبث بفكرة أن الإجراءات التدريجية قد تكون كافية لتفادي عودة المرض. وفي هذا، تتبع إيطاليا الطريق الذي يسلكه كثير من جيرانها. والفيروس يسجل أرقاماً قياسية يومياً في أوروبا في وقت تبحث فيه القارة عن وسائل لمواجهة أسوأ ركود اقتصادي في الذاكرة الحية. وتوصل رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى الاستنتاج نفسه الذي توصل إليه معظم نظرائه، وهو إعطاء الأولوية للاقتصاد. وأعلن كونتي، في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون في الأيام القليلة الماضية، أنه «يتعين علينا التصرف باتباع كل الإجراءات الضرورية لتفادي إغلاق عام، فالبلاد لا تتحمل تراجعاً جديداً يعرض الاقتصاد كله لخطر شديد». 
وتجد الدول الأوروبية صعوبةً في محاولة منع إصابة الناس بـ«كوفيد - 19» دون تقييد حريتهم الشخصية في هذه الموجة الأقل فتكاً من الإصابات. والقيود الإيطالية الجديدة جاءت أقل مما طالب به الخبراء العلميون، مما أظهر أن كونتي أصبح أحدث الزعماء الذين وجدوا أنفسهم أمام مصالح متضاربة تصادم فيها المسؤولون المحليون والحكومة المركزية. وكافحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الأيام القليلة الماضية أيضاً من أجل التوصل إلى اتفاق آراء مع رؤساء وزارات الولايات في اجتماع امتد ثماني ساعات. واشتبك رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيث في سجال علني مع رئيس منطقة مدريد بشأن الاستراتيجية الملائمة للتصدي للجائحة. وواصل مسؤولو الحكومة البريطانية التفاوض مع الزعماء المحليين في مانشستر، سعياً لإقناعهم بقبول قيود أشد صرامة. 
وأعلن بيتر ألتماير، وزير الاقتصاد الألماني، أن بلاده تتمسك بسياسة الإجراءات التي تستهدف بدقة عمليات التفشي في قطاعات بعينها، وصرح قائلاً في مقابلة مع تلفزيون «زد. دي. إف»، إن «الإغلاق التام ليس خياراً هذه المرة، لأنه لا توجد مشكلات في كثيرٍ من القطاعات. حين تكون لدينا إصابات قليلة للغاية في صناعة السيارات أو البيع بالتجزئة، على سبيل المثال، فنحن لا ننجز شيئاً إذا أغلقنا المتاجر والشركات». 
وتأتي إيطاليا في مرتبة متأخرة بعد دول، مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا في عدد الإصابات، لكن الحكومة تتعرض لسلسلة صراعات بين الحلفاء والمعارضة والمستشارين الطبيين وخبراء الاقتصاد بشأن أفضل الإجراءات التي يتعين اتباعها. واستهدف كونتي في مرسومه الجديد، الصادر بعد خمسة أيام فقط من حزمة الإجراءات السابقة، الملاهي الليلية والرياضة. وحث المرسوم رؤساء البلديات على إغلاق الساحات العامة والشوارع بحلول الساعة التاسعة مساء لمنع تجمع الناس، وتحديد عدد المتجمعين بستة أشخاص كحد أقصى للجلوس على طاولة في المطاعم التي يتعين غلق أبوابها بحلول منتصف الليل. وحُظرت المباريات الرياضية التي يحدث فيها تلامس جسدي في المنافسات الودية وفي المدارس. ووافق مجلس الوزراء الإيطالي أيضاً على ميزانية عام 2021 يوم 18 أكتوبر الجاري، مع التركيز على دعم العائلات بتمديد مهلة سداد القروض ودفعات الرهون العقارية. 
والمؤكد أن هناك بعض التنسيق بين الشركاء الأوروبيين. ففي سلوفاكيا، وعدت الحكومة كل المواطنين بخضوعهم للاختبار. وستلز سويسرا الجميع بوضع كمامات في المناطق العامة المغلقة، كما منعت تجمع أكثر من 15 شخصاً في مكان واحد مغلق. وفي جمهورية التشيك- صاحبة أكبر إصابات قياساً لعدد السكان في أوروبا- أُغلقت المدارس في انتظار تقييم تأثير أحدث القيود بداية الشهر المقبل. وصرح وزير الصناعة التشيكي كارل هافليتشيك في الآونة الأخيرة قائلاً: «لن نتخذ قراراً بشأن الإغلاق هذا الأسبوع. أعلنا بوضوح أننا سننتظر حتى الثاني من نوفمبر لمعرفة النتائج». وفي الأيام القليلة الماضية، اشتبك بضع مئات من الناس مع الشرطة في وسط مدينة براغ أثناء احتجاج ضد القيود المفروضة، مثل إغلاق الحانات وحظر المباريات الرياضية. 
وتعتزم أيرلندا تنفيذ بعض من أشد القيود في أوروبا، بعد أن أوصت السلطات الصحية بتطبيق أقصى إغلاق. وهذا يعني أن المتاجر غير الضرورية سيلحقها الدمار، وستغلق كل الحانات، وسيتم تقييد التنقل لمسافة أبعد من خمسة كيلومترات عن المنزل. وفي النمسا، جدد المستشار سباستيان كورتز، في الآونة الأخيرة، الدعوة إلى الانضباط للمساعدة في تجنب إغلاق ثان، ويتوقع أن يعلن كورتز بعض الإجراءات المشددة المتعلقة بارتداء الكمامات والتجمعات الاجتماعية والأسرية وربما فرض إغلاق مبكر للمطاعم. وبدأت بولندا إقامة أول مستشفى مؤقت لمرضى «كوفيد - 19» في استاد قومي في وارسو. وفي رومانيا، أعلن رئيس الوزراء لودوفيتش أوربان أنه من المرجح فرض قيود جديدة في العاصمة بوخارست تتضمن إلزام الناس بوضع الكمامات في كل المناطق المغلقة والمفتوحة والدراسة عن طريق «الإنترنت».

* صحفيون متخصصون في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»