على ضوء تنظيم منتدى «الاتحاد» السنوي في نسخته الخامسة عشرة الأسبوع الماضي تحت عنوان «الإمارات.. رسالة سلام»، حول أصداء معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، وتأكيداً على ما جاء في جلساته الثلاث، فإن فلسفة دولة الإمارات واضحة في التمسك بأهداف السلام وتنمية قيم التسامح والعيش المشترك، وحتى في توقيع هذه المعاهدة، والذي أثار زوبعة في فنجان، لكنه شكل لحظة مشرقة وعلامة فارقة في المنطقة العربية، ودعوة مدوية امتدت خارج الحدود إلى وقف حرق الشجر والبشر وتدمير الإنسان والعمران، وإلى انتهاج السلم بما ينشئه ويسلم إليه من تآلف وتعارف وتوافق ووئام وعيش مشترك، تدرك أجياله المستقبلية أهمية التعايش والسلم.
إن موروثنا الديني الإسلامي أصيب بالنكسة منذ قرون عديدة، حين راح مؤلفون سذج يضعون جمهرة الملل والنحل في كتب تحرك لواعج الثارات وتؤلب على كراهية الآخر وتنفِّر من المذاهب والملل الأخرى، فلا الصليب يمثل عيسى أو اليسوع عليه السلام، ولا النجمة السداسية تمثل داود أو موسى عليهما السلام، ولا الهلال يمثل محمداً عليه الصلاة والسلام، وجميع الأديان تدعو إلى تعزيز السلام وترسيخ أسسه، ونبذ الحروب والاقتتال. وقد جاء في أولويات الدين الإسلامي الجنوح للسلم والانضواء تحت ظلاله، وفي ذلك دعوة صريحة لتعزيز السلم المدني في المجتمعات الإنسانية كافة، خاصة أن البشرية قد تجاوزت التخبط بين إشكالية أصل العلاقة مع الآخر، وتجريم الإساءة للمقدس هي تحصيل حاصل، كما أن القول بأن السلام هو غاية البشرية، أصبح بديهياً ولا يحتاج إلى تبريرات فلسفية، فالسلم هو المناخ الطبيعي للجنس البشري، وتبقى الحروب والنزاعات حالات طارئة على المجتمعات الإنسانية، وما العنف والإرهاب إلا أمراض تحريضية جاء بها التطرف الديني ويجب القضاء عليها.
كانت الإمارات قبل معاهدة السلام قد احتضنت «المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية»، وأعلنت قيادتها الرشيدة العام 2019 عاماً للتسامح، مما يشير وبكل فخر إلى إعادة تفعيل قيم ومبادئ التسامح والتعايش والتعددية، كمنصة أخلاقية لإغناء الحوار الديني الحضاري وتوحيد المواقف ضد ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تحاول جهات مغرضة تسعيرها وتوجيه أصابع الاتهام من خلالها إلى الدين الإسلامي وإلصاق الشبهات به، وكل ذلك يترك صوراً سلبية من صور التطرف الديني في بعض الدول الأوروبية، في الوقت الذي يخوض فيه عالمنا العربي صراعاً ضد التعصب الديني والإرهاب والطائفية، وإنها لدعوة صادقة كي تحذو كل أقطار العروبة حذو الإمارات، دولة السلام والأمن والخير، وتخطو خطوة جريئة نحو تفعيل مفاهيم التعايش السلمي والإنساني بين شعوب الأرض.
ومن الواضح للجميع أن دولة الإمارات تصب جهودها وتركز في توجهاتها الخلّاقة على جودة الحياة وترسيخ الأمن والسلام كهدف سامٍ عبر أدواتها وبكل طاقاتها الجبارة لتحقق السعادة، وتعزز جودة حياة الأفراد على امتداد مساحة الدولة، ولتعزيز صدارتها في المؤشرات التنافسية العالمية.. وهو ما حفّزها على العمل من أجل التطور والتطوير في شتى المجالات.
إن صناعة السلام في الإمارات، والتي تتشاطر مسؤوليتها مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسات التعليمية، تستبسل في تحصين الشباب من أي توجهات أو أفكار قد تدفع ببعضهم إلى الوقوع في شرك الأفكار التي تتنافى وقيم المجتمع، أو إلى تبني أفكار متطرفة مؤدلجة بالعنف وكراهية الآخر، وسوء استغلال المعلومات الجاهزة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي.. ليبقى الوطن عزيزاً بإمكانات شبابه القائمة على المعرفة، وليبقى مسار التنمية البشرية قائماً على العلوم والابتكار.
إن تحقيق استدامة السلام يأتي من خلال ما نغرسه في نفوس الأبناء من قيم المحبة والتسامح والتعايش المشترك.

*كاتب إماراتي