هذه ليست النهاية التي كان يتوقعها بوريس جونسون. فالخميس قبل الماضي كان يفترض أن يكون اللحظة الحاسمة بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي قبل انتهاء الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر. وبدون اتفاق قبل هذا التاريخ، ينبغي على الجانبين «نسيان الموضوع والانتقال إلى شيء آخر»، كما قال جونسون الشهر الماضي. كان ذلك جزءاً من استراتيجية ضغط شملت أيضاً مقترحَ قانون يضع المملكة المتحدة على مسار لخرق شروط الانسحاب التي وافقت عليها قبل نحو عام من الآن. لكن وعلى غرار محاولات سابقة لجونسون، لتقسيم أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27، وخاصة فرنسا وألمانيا شرطيي «بريكست» («الطيب» و«الشرير»)، أعطى ذلك نتائج عكسية. 
فقد قرر القادة الأوروبيون خلال اجتماعهم في بروكسيل، أنه في ما يتعلق ببريكست ليس هناك الكثير لمناقشته على كل حال. وقد وافقوا على مواصلة التفاوض حول الأساس نفسه كما في السابق، داعين المملكة المتحدة إلى القيام بالخطوة التالية. لكن موضوع حقوق الصيد، الذي يُعد نقطة خلافية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فشل في إنتاج صدام علني. وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل: «إننا متحدون كلياً». 
وجاء رد جونسون متوعداً، لكنه كان غير حاسم في نهاية المطاف، فقد عبّر عن كثير من الاستياء إزاء الاتحاد الأوروبي، لأنه لم يمنح المملكة المتحدة اتفاق التجارة الحرة الذي تريده، محذِّراً من أنه آن الأوان للاستعداد لنتيجة «لا اتفاق»، لكنه أبقى في الوقت نفسه الباب مفتوحاً من أجل مزيد من المفاوضات. 
وكان المفاوض البريطاني ديفيد فروست قد قال في وقت سابق إنه «تفاجأ» من موقف الاتحاد الأوروبي وإنه «يشعر بخيبة الأمل» إزاءه. لكن هذا التصريح يبدو أجوف وغير حقيقي. إذ ينبغي ألا يشعر أحد بالصدمة لأن الاتحاد الأوروبي يميل للحفاظ على اتحاده وتماسكه حينما يحاول جونسون اتباع سياسة «فرق تسد»، وخاصة إذا كانت مقرونة بتهديد بوقف المفاوضات (تهديد لوّح به من قبل). واضح إذن أن الأمر ينطوي على انعدام الثقة، وهو شعور فاقمه «مشروعُ قانون السوق الداخلي» الذي يدفع به جونسون، والذي أغضب الاتحاد الأوروبي وأجّج الانقسامات داخل المشهد السياسي البريطاني. ثم إنه ليس هناك أي حافز ليقوم التكتل الأوروبي بالتخلي عن سفن الصيد الفرنسية (والإيرلندية) من أجل اتفاق.
ولهذا، يبدو أننا عالقون في «حلقة زمنية» أبدية. فبريكست ليست مفاوضات تجارية «احتفالية» بين لاعبين يسعيان وراء امتياز مفيد لكليهما عبر إسقاط الحواجز، بل العكس: ذلك أن التدفق الحر السابق للتجارة بين الجانبين (570 مليار دولار في 2019) يجب أن يخضع الآن لشروط جديدة، في وقت تميل فيه المملكة المتحدة للتنافس بشراسة حول الضرائب والتقنين بينما يحاول الاتحاد الأوروبي حماية سوقه الموحدة من «الإغراق» التجاري. فبريكست هي بالنسبة للندن شيء يستدعي التمتع، ولبروكسل الدفاع والحماية. 
غياب الثقة جعل الأمور أسوأ، فالمملكة المتحدة تتعامل مع مسألتي المواءمة التنظيمية ومساعدات الدولة كانتهاك لسيادتها، وهو ما يؤكد في الواقع مخاوفَ بروكسل من أن بريطانيا ما بعد بريكست إنما تسعى وراء أكبر قدر ممكن من الوصول للسوق وأقل قدر ممكن من قواعد التعامل المزعجة لها. ورغم أن الجانبين ليّنا مواقفهما بعض الشيء، فإن موقف جونسون المتعجرف تجاه احترام شروط بريكست التي وافق عليها –ومن ذلك قوله إنه لن يطبّق الحدود الجمركية المتفق عليها في بحر إيرلندا إلا «على جثته الميتة»– يلقي بظلال من الشك حول القدرة على تطبيق اتفاقات مقبلة. 
في عالم مثالي، وبدلاً من الانخراط في التصعيد وسياسة حافة الهاوية والتلويح بعدم توقيع أي اتفاق، يكون الأجدى للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يواصلا الدفع في اتجاه التوافق، وخاصة في وقت يحتاج فيه الطرفان للتركيز على المعركة ضد الموجة الثانية من كوفيد-19. والواقع أن آلية قوية لتسوية النزاعات وهيئة إشراف مشتركة يفترض أن تكونا في مصلحة المملكة المتحدة أيضاً، وليس في مصلحة الاتحاد الأوروبي فقط. أما في ما يتعلق بالخلاف حول الصيد، فبالنظر إلى أن المملكة المتحدة تصدّر 75 في المئة من الأسماك التي تصيدها إلى الاتحاد الأوروبي، فمما لا شك فيه أنه من مصلحة بريطانيا الحفاظ على دعم جيرانها من خلال اتفاقات وصول إلى مياهها تدوم فترة أطول من سنة واحدة. 
وخلاصة القول: إنه إذا كانت بريكست قد علّمت الاتحاد الأوروبي شيئاً، فهو أنه من المهم والمفيد الحفاظ على الوحدة والتماسك في عالم غير يقيني. ذلك أن رئاسة دونالد ترامب ونزعة الصين لتأكيد قوتها دفعتا الأوروبيين للتوحد والتماسك دفاعاً عن أعظم إنجازاتهم: سوق موحدة من دون حواجز دعمتها مارجريت تاتشر، وتوسعت شرقاً في عهد توني بلير، ومحكومة بقواعد مالية وقواعد ضد الاحتكار تأثرت بالموظفين البريطانيين. وعليه، فإن تركة جونسون قد تكون، عن غير قصد، مجرد تقوية عملاق تجاري ساهم البريطانيون في خلقه.


*كاتب متخصص في الاتحاد الأوروبي وفرنسا 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»