لمؤسسات التوعية على اختلافها؛ دينية كانت أو مجتمعية أو علمية أو إعلامية دور محوري وأساسي وحتمي، في نشر محتوى توعوي يُجَذِّرُ في الناس قيمة السلام، ويبصرهم بأهميته، ويبين لهم أثره على استقرار الأوطان والمجتمعات وبناء الحضارات.
مفهوم السلام: السلام مبدأ أجمعت عليه الديانات وأَثْرَتْهُ ورسخته ووسعت دائرته، وهو أصل قطعي، وقيمة إنسانية، وأساس حضاري، لا يماري فيه عاقل، فهو يمثل الحياة بكل معانيها وأبعادها، ويقوم على التنوع والاختلاف وقبول الآخر أيًا كان معتقده أو عرقه أو لونه.
وما دام الآخر شريكًا لنا في الإنسانية فهو جدير بالسلام والاحترام، وبهذا الفهم نصل إلى أفراد منسجمين، وأسر مستقرة، ومجتمعات متساكنة، وأوطان مزدهرة.
ولكي تقوم المؤسسات التوعوية بدور ريادي في نشر قيم السلام، فثمة أسس لا بد أن تقوم عليها، وتتخذها منهجًا في تبني برامجها ونشرها بين الناس، وهذه الأسس: 
الأساس الأول: الأولوية: السلام قيمة مطلوبة لذاتها، وهي فوق كل اعتبار إيديولوجي أو دنيوي، يدل لذلك قول الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). فالواجب أن تُخَصَّص برامج لغرس قيم السلام، وأن تتبوأ هذه البرامج الصدارة في التناول، والعمق في الطرح لدى المؤسسات، وأن تُبْنَى سائر البرامج الأخرى على هذه القيمة العظيمة، فتدور في فلكها، ولا تند عنها قيد أنملة.
الأساس الثاني: الوعي والتوعية: ينبغي على المؤسسات على اختلافها وتنوعها أن تدرك محوريتها وأهميتها وعمق أثرها في نشر قيم السلام، وألا يغيب عن أي من مشاريعها رؤية السلام، وأن تُرْفَدَ بمادةِ سلامٍ أصيلة وقوية تضمنها برامجها التوعوية لتبث أرجها بين الناس، وتنشر عبقها في المجتمعات، فتصحح من خلالها المفاهيم، وترسخ القيم، آخذة في حسبانها التحديات التي تواجهها، ومن أهمها: 
أولاً: أننا نمتلك مخزونًا ثقافيًّا وفكريًا يحتاج إلى إعادة مُعَايَرَةٍ على مقاييس الحنيفية السمحة ومبادئ السلام الحق، ودور المؤسسات غربلة المفاهيم، وتصحيحها، وتقويمها، وإعادة نشرها نقية خالصة صافية.
ثانياً: أننا في عصر جيله مُحمّل بذاكرة تاريخية مليئة بالحروب والنزاعات، ودور المؤسسات إزالة ما علق في الأذهان، ونفض غبار المغالطات عن العقول، وإعادتها إلى رشدها وهداها.
ثالثاً: في عصر الفضاء المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي الذي يتضاءل فيه دور المؤسسات، فإن على هذه الأخيرة أن تضطلع بدورها وتوسع دائرتها وتجعل من هذا الفضاء الرحب منبر سلام لبرامجها، ولا تدعه مطية لأعداء السلام يروجون عبره لأفكارهم المنحرفة وآرائهم المغرضة والمعادية لقيم السلام والإنسان. 
الأساس الثالث: التكامل: بما أن السلام قيمة مجمع عليها، فالمؤسسات على اختلافها وتنوعها شريكة في تبني هذه القيمة، والدأب على نشرها، والسعي في ترسيخها في الأفراد والأسر والمجتمعات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً). كل مؤسسة لها دورها، في تخصصها، وسياق برامجها، وإن انزواء أي مؤسسة، أو ابتعادها، أو إغفالها لنشر مبادئ السلام، هو ثغرة في بنيان الوطن، يؤتى منه، ويقوض من خلاله أمنه واستقراره.
الأساس الرابع: الترسية: من أجل إرساء السلام، وترسيخ قيمه، وتوطيد أركانه، وتعميق قناعاته، لا بد من استثمار طويل في صُنَّاعِهِ وصناعته، ولا مندوحة عن استمراره واستدامته، بل حمايته وحراسته، ويكون ذلك بإعداد برامج دينية وقيمية وإنسانية ومجتمعية وترفيهية، تلامس هموم الشباب، وتتلمس تطلعاتهم، وتتفاعل مع طموحاتهم، وترتقي بإبداعاتهم، وتحل لهم مشكلاتهم، ولا تدعهم فريسة سائغة لأعداء السلم والسلام.
السلام والإيمان قرينان معًا، لا ينفك أحدهما عن الآخر، والسلام والحضارة صنوان، لا يصلح أحدهما من دون الآخر، ومن أراد أن يبني حضارة، فليوقد مشعل سلام، وليضئ درب سلام، وليرسخ عقيدة السلام، وليعلم أن الله سبحانه وتعالى: (يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام. 
*كاتب إماراتي