مناعة القطيع أو المناعة المجتمعية، هي الحالة التي يتمتع فيها نسبة كبيرة من أفراد المجتمع بالمناعة ضد مرض ما، مما يحقق بالتبعية الوقاية لباقي الأفراد الذين لا يتمتعون بهذه المناعة ضد نفس المرض، وتختلف النسبة المطلوبة للوصول إلى هذه الحالة المناعية الجمعية من مرض إلى آخر، ففي حالة مرض الحصبة مثلاً، يجب تطعيم 95% من السكان، للوصول إلى مناعة القطيع، وهو ما سيوفر بالتبعية مناعة للخمسة في المئة الباقية، وفي حالة مرض شلل الأطفال تبلغ هذه النسبة 80%، ويقدر أن هذه النسبة في حالة كوفيد-19 هي 70%، وهو مجرد تقدير لم يؤكد أو يثبت بشكل علمي بعد.
وفي العادة يتم بلوغ هذه النسبة -حسب كل مرض- من خلال حملات التطعيم الطبية، حيث تحفز التطعيمات جهاز المناعة على إنتاج أنواع خاصة من البروتينات، تعرف بالأجسام المضادة، تحقق الوقاية للجسم من خلال مهاجمتها وقضائها على الميكروبات والجراثيم الغازية، ومنذ استفحال الوباء الحالي في قارات ودول العالم قاطبة، طرح البعض فكرة تحقيق حالة المناعة المجتمعية تلك، من خلال تعريض أفراد المجتمع للفيروس، وهو طرح يحمل في طياته معضلات علمية وأخلاقية، وذلك بناء على أن السماح للفيروس بالانتشار بين السكان، بفئاتهم العمرية المختلفة، وحالاتهم الصحية المتباينة، سيحمل في طياته ثمناً فادحاً في شكل إصابات ومعاناة واسعة النطاق، وأعداد من الوفيات تقدر بالملايين.
فبعد عشرة شهور من ظهور فيروس كورونا، حيث أصيب 43 مليون شخص، وتوفي منهم أكثر من مليون ومئتين ألف، تُظهر الفحوصات المسحية للأجسام المضادة، أن 10% فقط في أغلب الدول أصيبوا بكوفيد-19 خلال هذه الفترة، وبناء على هذا، يمكن تخيل عدد الوفيات الحتمي للوصول إلى المناعة المجتمعية مع هذا الفيروس، في وقت لا تزال الغالبية العظمى منا عرضة للعدوى، أضف إلى ذلك، أن المجتمع الطبي لا زال يجهل الكثير عن المناعة ضد كوفيد-19، ففي الوقت الذي تتولد فيه خلال الأسابيع الأولى استجابة مناعية لدى الغالبية ممن أصيبوا بالمرض، إلا أننا لا نزال نجهل مدى قوة هذه الاستجابة، أو فترة استدامتها، وتباينها بين شخص وآخر، وفي ظل تواتر التقارير التي تشير إلى إصابة البعض بالعدوى مرتين، يبقى هناك العديد من الأسئلة، التي لا زالت تحتاج لإجابة لوضع استراتيجية شاملة للتعامل مع هذا الوباء.

*كاتب متخصص في القضايا العلمية والطبية.