أهلاً بكم في العالم الجديد، وليست في كل جدة متعة، فالجديد اليوم أصبح أكثر رعباً. ولنعترف أننا لسنا من المتشائمين، ولا محبي المزايدة، ولكن الحقائق اليوم تسير كما لا تشتهي السفن، ففي غضون ثوانٍ، وبمجرد دخول أحدنا الصفحة الزرقاء «الفيسبوك»، فإن ذلك إقرار ذاتي لتعكير صفو اللحظة السابقة، وسرعان ما تصاب بصدمة استهجان، وتتعثر سيالاتك العصبية، سعياً منها لفهم ما الذي يحصل، أو المحاولة بالهمس للعقل الباطن أن هذا كله لن يؤثر على البنية الفكرية خاصتك. 

وبحسب التقرير السنوي للعام الماضي 2019، للمنصة العالمية HOOT SUITE فقد وصل عدد مستخدمي المواقع لـ 3.484 مليار مستخدم حول العالم، منهم 136.1 مليون شخص في الوطن العربي، أي نحو 53% من عدد سكان المنطقة، مما يعني أن التشاؤم حول ما يجري هو ليس قرار فردي، أو نوع من السلبية المفرطة، بقدر ما هو نتيجة للتداعيات الحية المتصاعدة، فإذا كان ما سبق ممثلاً لإحصاءات السنة الماضية، فكيف يكون بعام الكورونا؟ وبخاصة أنه كان مبهجاً بالنسبة لكافة وسائل التواصل الاجتماعي، ومنعشاً بزخم من «ثورات» وسوم تويتر، وفضائح الخصوصية التي أحاطت «بفيسبوك»، وغيرها الكثير.

وعلى صعيد Facebook مثلاً، هناك أكثر من 2 مليار مستخدم شهرياً، وأكثر من مليار مستخدم يصلون إلى هذا الموقع بشكل منتظم، أما YouTube فلديه ما يزيد على 1.5 مليار مستخدم، ويمثل أغلب الشرائح المجتمعية، فئات نشطة وبامتياز على منصات التواصل الاجتماعي، مما يصاعد خطر انضمامهم لما أسميه بـ«الخلايا النائمة غير المنظمة»، الموجودة في كل منزل، ولا تزال تتزايد – للأسف - وهي «تشوهات إنسانية» على الفطرة صنعتها أفكارنا، وتصرفاتا، وعاداتنا التي بدأت مع الفرد منذ نعومة أظفاره. ليرى الطفل والده – مثلاً - يحتضن جاره مُرَحِباً، ثم تنقلب ملامحه مغشياً عليه ضحكاً واستهزاءً به في موقف آخر، متناسياً أذهان أطفاله التي رافقته لتتشبع صفاته وسلوكياته ولتكتسبها، فكيف تنتظر من ذات الطفل أن «يبيض وجهك» أمام مجتمعك، والمجتمع ذاته معوز لإنعاش في المنظومة الأخلاقية، بل وتجد ذات الشخص يعاتب ابنه إذا ما تعثر بذات كبوته، قائلاً: «ألم تتعلم في مدرستك أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم -؟»، وهنا يأتي ذات السؤال موجهاً للوالد، وموجهاً للتقصير في البيئة التربوية والتعليمية من تقويم التشوهات التي قد تعتبر الأسرة إحدى مغذياتها. 

وفي حين يعد متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدم على شبكة الإنترنت، أكثر من ست ساعات ونصف الساعة يومياً على مستوى العالم، فيجدر بناء أنظمة إنسانية وقوانين موازية للقوانين الموجودة بالفعل، مختصة بالجانب الرقمي، ومراعية لخصوصيته وامتيازاته، فالوقت على مواقع التواصل الاجتماعي لا يشبه بتاتاً الوقت الذي يمر عادةً، فالدقيقة الواحدة على الشبكة العنكبوتية، تشهد 3.7 مليون عملية بحث على محرك البحث (Google)، و481 ألف تغريدة، و18 مليون رسالة نصية، و973 ألف تسجيل دخول في فيسبوك، و4.3 مليون مشاهدة فيديو على يوتيوب، و38 مليون رسالة واتساب.

العالم الرقمي عامةً، ومواقع التواصل الاجتماعي خاصةً، تنتظر وبصورة عاجلة لهيكلة جديدة من حيث الأطر التنظيمية وسياسة الخصوصية، والإلزام بالقرارات والتشريعات المختصة، من مثل قانون تجريم الإرهاب الالكتروني الإماراتي الذي فتت كتل الكراهية الالكترونية، وأوقف سيلانها، بانياً جسراً متقناً يمتد من فوقه حوار واعٍ ومسؤول على كافة الوسائل الرقمية، مما يعني أن المجتمعات كافةً اليوم والتداعيات الرقمية سريعة التحول لسلوكية، علاجها الأمثل نزع رداء المثالية والتنظير، والاقتراب من هموم الناس واستشعار حاجاتهم الفكرية والثقافية، وبخاصة أن أي عمل غير مسؤول يجرح سلامة الإنسانية، يؤثر على منظومة أوسع ما تكون فردية، ممتدة للنطاق العالمي، نحن اليوم بحاجة لجرعة مضاعفة من المحبة، لا تكون إلا من خلال الحوار الموجه كل بحسب مقاله ومقامه.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة