يعلم مجتمع الاستخبارات وقادة الأمن الانتخابي أن الوقت ينفد لنقل قدر مناسب من المعلومات الدقيقة للجمهور لمنع أي خصم أجنبي من التأثير على الناخبين. وكان الظهور الإخباري المشترك يوم الأربعاء خلال فترة الذروة التلفزيونية من قبل كبار مسؤولي الاستخبارات وإنفاذ القانون، هو أحدث وأهم خطوة حتى الآن لتحذير الأميركيين في الوقت المناسب من جهود الحكومات الأجنبية للتأثير على الانتخابات. استغرق الأمر أياماً حتى يتمكن مسؤولو الأمن القومي من تحديد من يقف وراء الأنشطة وإيصال هذه المعلومات إلى الجمهور. وكان للظهور الإخباري المنسَّق أيضاً تأثير من حيث السماح للخصوم بمعرفة أن حكومة الولايات المتحدة تعرف بشكل علني ما الذي يريدون فعله.
في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016، كانت إدارة أوباما مترددةً في نشر معلومات علنية حول تهديد التدخل الأجنبي. كانت هناك مجموعة متنوعة من الأسباب المشروعة لذلك، من بينها مثلاً احتمالية أن يُنظر إلى الإفصاح عن المعلومات على أنه تسييس للاستخبارات، وبشكل أكثر تحديداً رفع السرية عن المعلومات بشكل انتقائي بغية مساعدة حملة هيلاري كلينتون. وفي ذلك الوقت، كان نطاق وحجم الأنشطة الأجنبية للتدخل في الانتخابات يبدو تهديداً جديداً إلى حد ما، وكانت فكرة توفير الشفافية بشأنه جديدة أيضاً. ونتيجة لذلك، جاء التقييم المشترك الذي أجراه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية وإدارة الأمن الداخلي في أكتوبر 2016 في وقت متأخر من الدورة الانتخابية وطغت عليه الأحداث المتنافسة والانحرافات.
وفي هذا العام، لا يمكن لإدارة ترامب أن تتذرع بالجهل أو عدم الاستعداد لمحاولة التدخل الأجنبي في الانتخابات. ومع الرئيس الذي نفى على مدار أربع سنوات أن تكون روسيا قد تدخلت في انتخابات عام 2016، على الرغم من التحقيق غير الحزبي الذي أجراه مستشار خاص والتحقيق الذي أجرته لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، والذي قدم إفادات واضحة بهذا الشأن، فإن مجتمع الاستخبارات في موقف صعب.
والآن، بدلاً من مجرد توفير قدر أكبر من الشفافية حول كيفية قيامه بأعماله، يعمل مجتمع الاستخبارات على الكشف عن المزيد حول ما يعلمه. وقد اعترف السَّناتور المستقل «آنجوس كينج» بهذا التحول في تصريحاته للراديو الوطني العام في أغسطس الماضي، حيث قال: «أعتقد أنها خطوة مهمة جداً لمجتمع الاستخبارات أن ينظر إلى الشعب الأميركي باعتباره أحد زبائنه. فالشعب يدفع مقابل هذه المعلومات الاستخباراتية، ويحق له الاستفادة منها، مع مراعاة حماية المصادر ومن ثم عدم المساومة على كيفية حصولنا على هذه المعلومات». كانت الحاجة إلى مزيد من الشفافية حول التهديدات الاستخباراتية واضحة لبعض الوقت. لكن هذا النوع من الشفافية العامة حول التهديدات في الوقت الفعلي هو نقلة نوعية لمجتمع الاستخبارات.
إن إيجاد الطريقة الصحيحة لنشر المعلومات ليس بالأمر السهل ولا النموذجي. ويتمثل الدور التقليدي لمجتمع الاستخبارات في إبلاغ محللي الاستخبارات والمحققين ورجال الحرب، على المستوى التكتيكي، حتى يتمكنوا من القيام بعملهم اليومي لحماية البلاد. وعلى المستوى الاستراتيجي، يوفر مجتمع الاستخبارات نظرة ثاقبة حول نوايا وأنشطة الجهات الفاعلة الأجنبية ويحذر صانعي السياسات والدبلوماسيين وأعضاء الكونجرس، وتقليدياً الرئيس، بشأن تهديدات الأمن القومي.
وبخلاف التقييم السنوي للتهديدات في جميع أنحاء العالم، والذي كان، حتى هذا العام، يُعقد سنوياً وبشكل غير سري على مدى خمسة وعشرين عاماً الماضية، فإن مجتمع الاستخبارات ليس في مهامه تقديم تفاصيل للجمهور حول طبيعة المعلومات الاستخباراتية ما لم تكن تتعلق بالسلامة العامة. وعادة ما تكون المعلومات المتعلقة بأنشطة أجهزة الاستخبارات الأجنبية محجوزةً لكبار قادة الحكومة في الفرع التنفيذي وأعضاء لجان مراقبة الاستخبارات بالكونجرس.
وقبل إعلان يوم الأربعاء عن الأنشطة الإيرانية والروسية للتأثير على الانتخابات المقبلة، بما في ذلك قيام وكلاء إيرانيين بإرسال رسائل تهديد إلكترونية للناخبين «الديمقراطيين» في فلوريدا بذرائع كاذبة، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة أمن البنية التحتية للأمن السيبراني معلومات حول التهديدات التي تتعرض لها البنية التحتية للانتخابات، والمعلومات الأجنبية المضللة من المجلات على الإنترنت. لقد أوضحت شهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي «كريستوفر راي»، في سبتمبر الماضي، أمام لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، معلومات حول التضليل الأجنبي على مواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بالانتخابات المقبلة. ويبدو أن مدير وكالة أمن البنية التحتية للأمن السيبراني، «كريس كريبس»، قد جعل وكالته تركز على تأمين الانتخابات وأن تكون معزولة عن السياسة التي ابتليت بها بعض الأجهزة الأخرى.
لكن تصرفات مكتب مدير الاستخبارات الوطنية أظهرت أدلة على وجود تضارب بين أهداف مجتمع استخبارات غير حزبي والقيادة السياسية التي يعمل في ظلها. ففي يوليو الماضي، وعد مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، بيل إيفانينا، بـ«مواصلة إطلاع الرأي العام الأميركي وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين، على التهديدات التي تواجه الانتخابات». وبعد أسابيع قليلة، بدا بيانه العام الأكثر تفصيلاً وكأنه يراوغ التهديد الذي يشكله تفضيل بعض الدول الأجنبية لمرشح من خلال أنشطة تدخل نشطة تقوم بها هذه الدول، على الرغم من أن النص يسمح للقارئ بإجراء تقييم مستنير بشكل معقول بأن قوى خارجية تشكل أكبر تهديد لهذه الدورة الانتخابية.
لا ينبغي الاستهانة بالضغوط المتنافسة، على وجه الخصوص، التي كان يعمل في ظلها المركز الوطني للخدمة المدنية. لهذا السبب، كانت مشاركة إيفانينا مؤخراً في مقطع فيديو مدته تسع دقائق جنباً إلى جنب مع راي وكريبس، ومدير وكالة الأمن القومي بول ناكاسوني، وهم يحذرون الجمهور من أنشطة التأثير الأجنبي والالتزام بحماية البلاد.

*مستشارة سابقة للمدعي العام المساعد للأمن القومي وأستاذ مساعد في مركز القانون بجامعة جورج تاون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»