الأسر التي تستطيع تعليم أبنائها عبر معلم خصوصي تدفع غالباً هذه التكلفة لأنها تجد لها ثماراً. والدليل على ذلك وجود صناعة للتعليم الخصوصي على مستوى العالم يتوقع أن تبلغ 280 مليار دولار بحلول 2027. وبريطانيا على وشك الشروع في أول تجربة تعليم خصوصي على نطاق جماهيري عريض ممولة من الحكومة لدعم من لا يستطيعون تحمل تكلفة هذا الامتياز. وفي الشهور المقبلة، سينتشر «جيش» تم جمعه سريعاً من المعلمين الخصوصيين في المدارس التي تمولها الدولة في بريطانيا من أجل تقليص فجوات التعلم التي تفاقمت بسبب جائحة «كورونا». وقد تحفز التجربة إعادة التفكير في المبادئ الأساسية للتعليم العام. 
وبموجب «برنامج التعليم الخصوصي القومي» في المملكة المتحدة، تستطيع المدارس التقدم بطلب للحصول على التعليم الخصوصي المدعوم بقوة للأطفال الأقل حظاً ممن تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات و16 سنة. وخصصت الحكومة 1.3 مليار دولار (مليار جنيه إسترليني) لصفقات «اللحاق بالركب» القومية في عام واحد، وتضمن المبلغ 350 مليون جنيه للتعليم الخصوصي. والمعلمون الخصوصيون سيتوافرون في المدارس بالحضور الشخصي وعبر «الإنترنت» بدءاً من نوفمبر. والتلاميذ سيحصلون على دروس أسبوعية معدة بشكل خاص للمواد التي يجدون صعوبة فيها غالباً، في جماعات من ثلاثة أفراد لفترة تصل عموماً إلى 15 أسبوعاً. 
ولطالما كانت الخريطة التعليمية في بريطانيا، مثل أميركا، غير متساوية بشكل كبير. فهناك 1.4 مليون طفل في المدارس التي تقدم وجبات مجانية في بريطانيا. وحين يبلغ التلاميذ الأفقر في هذه المدارس 16 عاماً من العمر، يتخلفون في التحصيل الدراسي عن نظرائهم الأكثر يسراً، وهذا يستمر بعد فترة البلوغ. وفاقمت الجائحة هذه الفجوة. ويتوقع تقرير صادر عن مؤسسة «سوتون تراست» الخيرية التعليمية هذا الشهر تأثيرات سلبية جوهرية على سوق العمل لإغلاق المدارس على الأقل يسراً اقتصادياً، مع تأثير هذا على الحراك الاجتماعي بصفة عامة. والتعليم الخصوصي لن يسد هذه الفجوة وحده، لكنه قد يساهم في ذلك. وفي تجربة كبيرة على 105 مدارس نُشرت نتائجها عام 2018، رصدت مؤسسة «توتر تراست» الخيرية التي تعمل في شمال إنجلترا تحسن النتائج في الرياضة والقراءة بسبب التعليمي الخصوصي في جماعة صغيرة لمدة 12 ساعة فقط. وبلغت التكلفة 112 جنيهاً فقط لكل طفل. 
ولطالما ظل الحصول على «التعليم الخصوصي» حكراً على الذين يستطيعون تحمل تكلفته، وتضغط كثير من الأسر على ميزانياتها لتستطيع الحصول عليه. ونصف التلاميذ تقريباً في لندن يحصلون على تعليم خصوصي، وفي إنجلترا وويلز تبلغ هذه النسبة الثلث. والنسبة أعلى وسط الأقليات العرقية. ومعدل أجر ساعة التعليم الخصوصي تتراوح بين 25 جنيهاً إسترلينيا (32 دولاراً) وبين 90 جنيهاً إسترالينيا أو تتجاوز هذا الحد للمعلمين فائقي المهارات. لكن السباق التعليمي المحموم هذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية، مثل أن يقضي على خبرات الطفولة الطبيعية، ويفسد آليات التقييم المدرسية، ويخلق ضغطاً غير ضروري، ويتسبب في مشكلات صحة عقلية. لكن حسن تطبيق التعليم الخصوصي قد لا يحسن نتائج التعلم فحسب، بل يعزز الثقة والوعي بالذات والحماس. 
لقد نظرت ذات يوم إلى «التعليم الخصوصي»، باعتباره معادلاً للغش في الامتحان. ثم أصبحت متحمسة له مع بعض التحفظات، مثل أن يكون التدخل دقيقاً والهدف واقعياً والطفل مستعداً لذلك. وما أن يستوعب المرء الفوائد، فمن الصعب إنكار ضرورة الحصول على هذا النوع من الدعم للذين هم في أمسّ الحاجة إليه. وهذه ليست حجة أدبية فحسب، بل هناك أيضاً سبب اقتصادي. فالتكلفة التي يتكبدها المجتمع نتيجة ضعف التحصيل الدراسي هائلة وتأتي في صورة بطالة وفقدان الإنتاجية وضعف الرعاية الصحية وغيرها. والتحدي الذي يواجهه البرنامج البريطاني الجديد سيتمثل في تقديم الخدمة بشكل صحيح واستمرارها. 
المدارس تمول 25% من تكلفة التعليم الخصوصي والحكومة تتكفل بالباقي. لكنّ مديري المدارس سيتعين عليهم تخصيص وقت وجهد لتنسيق المساعدة الإضافية والاتصال بالآباء ومراقبة النتيجة. ولا يريد كثيرون الشروع في شيء سيتوقف بعد عام. والتعليم الخصوصي عبر «الإنترنت» سيخضع للاختبار أيضاً. والأطفال أصحاب الحاجة الماسة يعيشون عادة في مساكن مزدحمة مع قليل من التكنولوجيا والدعم. ويتعين على المعلمين الخصوصيين العثور على وسائل يتخطون بها هذه العراقيل. وإذا أرادت الحكومة البريطانية أن ينجح البرنامج، فيجب على المسؤولين منحه إطاراً زمنياً أوسع. وعام واحد لن يكفي تقريباً للوصول إلى عدد كافٍ من الأطفال ومعرفة أي الممارسات أكثر فعالية. وفترة ثلاثة أعوام أكثر معقولية. 
والمملكة المتحدة تحتاج إلى أفكار كبيرة. ففي أبريل الماضي، تقدم لي إليوت ميجور، أستاذ الحراك الاجتماعي في جامعة ايكستر باقتراح لـ «مصلحة التعليم الخصوصي القومي». واقترح توظيف 100 ألف طالب من الجامعات ومن الخريجين للتطوع ببعض الوقت لصالح مئات الآلاف من الأطفال. ويحصل هؤلاء، في المقابل، على خصم في الرسوم الدراسية ومنح تدريب ومزايا أخرى. وستواجه تجربة بريطانيا بالتأكيد مشكلات صعبة، لكن من الممكن أن تحفز بعض «الصعود» الاجتماعي الذي وعد به رئيس الوزراء بوريس جونسون، وهذا من أكثر الأشياء التي تحتاج إليها بريطانيا بعد «بريكسيت».

*صحفية متخصصة في الشأن الأوروبي. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»