كان من المفترض أن تشكّل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، فرصة للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة. ولكن بدلاً من ذلك، وبالنظر إلى الشلل الذي أصاب العالم بسبب «كوفيد 19»، عكست القمة الافتراضية التحديات التي تواجه نظام الأمم المتحدة والنظام الدولي الذي تمثّله. 
ومثلما أحاجج «وراب هوبر» في كتابنا الجديد، الذي يحمل عنوان «عالم مفتوح: كيف تستطيع أميركا الفوز في التنافس على نظام القرن الحادي والعشرين»، سيتعين على من يريدون الدفع بالنظام الدولي في عالم ما بعد الوباء تقييم نجاحاته وإخفاقاته بشكل واقعي. وإذا كان خطاب الرئيس ترامب للأمم المتحدة  قد دعا المنظمة الدولية إلى «التركيز على المشاكل الحقيقية للعالم»، فإنه أغفل إنجازات نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي تجسّده الأمم المتحدة وقلّل من شأن العراقيل المستقبلية. 
والواقع أن أحد المبادئ المركزية لسياسة ترامب الخارجية «أميركا أولاً»، هو التشكيك في التعاون متعدد الأطراف. فخلال ولاية ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، و«اليونيسكو»، إضافة إلى اتفاقيات دولية، مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني. 
في خطابه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تناول ترامب هذه التيمة متباهياً بإنجازات دبلوماسية رعتها الولايات المتحدة وتحققت خارج مظلة الأمم المتحدة، ومتهماً مؤسسات الأمم المتحدة بالفشل في وقف الوباء أو معالجة مواضيع حقوق الإنسان المهمة. 
والواقع أن الكثير من المحللين سيتفقون مع الرأي الذي يذهب إلى أن الأمم المتحدة فشلت في تحقيق طموحاتها. فحينما تأسست الأمم المتحدة، تعهد ميثاقها بـ«إنقاذ الأجيال المتعاقبة من ويلات الحرب» وبـ«إعادة التأكيد على الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية». ومع مرور الوقت، توسع نظام الأمم المتحدة، فأنشأ وكالات متخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمات ذات صلة مثل منظمة التجارة العالمية. 
وبعد سبعة عقود على ذلك، تشير الدلائل إلى أن الأمم المتحدة جزء من نظام دولي ليبرالي حقق استقراراً وازدهاراً وحرية أكبر للكثير من المواطنين العالميين. ففي 1945، مثلاً، كانت أقل من 30 في المئة من دول العالم ديمقراطية - هذا الرقم تضاعف تقريبا بحلول 2020، حيث بات أكثر من نصف سكان العالم اليوم يعيشون في بلدان ديمقراطية. 
وعلى مدى فترة مماثلة، ارتفع متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من نحو 3300 دولار إلى أكثر من 14500 دولار، كما عرف الفقر العالمي انخفاضاً حاداً. وغني عن البيان أن التحسنات الأمنية دعمت هذه المكاسب الإنسانية: إذ تُظهر الدراسات أن الديمقراطيات أقل ميلاً إلى خوض حروب مع بعضها البعض، وأن الروابط الاقتصادية الكثيفة بين الدول زادت من تكاليف النزاعات العنيفة وقللت من فوائدها. 
وإذا كان نظام الأمم المتحدة غير مسؤول لوحده عن هذه النجاحات، فإن عمليات حفظ السلام الأممية ساعدت على الحد من العنف والدمار اللذين تتسبب فيهما الحروب الأهلية، كما أن المنظمة عبّأت جهودا جماعية من أجل دعم مبدئها التأسيسي الذي يحظر اعتداء دولة على أخرى. وفضلاً عن ذلك، شكّلت الأمم المتحدة عماداً لاتفاقيات حقوق الإنسان الدولية ومنتدى عالميا لفضح الانتهاكات.
ولكن انتقد ترامب الأمم المتحدة قائلاً إنها تركز على المشاكل الخطأ، ومحاججاً بأن عدم اهتمامها بحقوق الإنسان جعلها أقل فعالية. 
غير أنه بتركيزه على حقوق الإنسان، التف خطاب ترامب على التحديات الأكبر مثل فشل نظام الأمم المتحدة في مواكبة وتيرة التغيرات الجيوسياسية، ومن ذلك أن العضوية الدائمة لمجلس الأمن لم تعد تعكس الحقائق الجيوسياسية - إذ إن المجلس يضم المملكة المتحدة مثلا ولكنه يستبعد الهند. وعلاوة على ذلك، فإن أزمة فيروس كورونا المستجد كشفت التحديات التي تواجهها منظمة الصحة العالمية، ما أرغم دول العالم على التعاون. 
خبراء وأساتذة العلاقات الدولية يشيرون إلى أن الأنظمة الدولية - التي كثيراً ما تصاغ في أعقاب الحروب - عادة ما تعكس التوزيعات الأساسية للقوة وأولويات الدول المتقدمة. ومن جهة أخرى، فإن تراجعا في القوة الأميركية يمكن أن يمثّل أيضا نهاية قدرة الولايات المتحدة على صياغة النظام بشكل أحادي وكوني وفق تفضيلاتها الليبرالية. 
غير أن المؤسسات متعددة الأطراف ستظل أساسية على الأرجح. وبينما تنخرط الولايات المتحدة والصين في تنافس على إنشاء نظام، فإنهما ربما تنشئان منظمات إقليمية وعالمية تعكس التقاء القوة والمصالح في مواضيع معينة. وعلى الرغم من أن مؤسسة عريقة وذات إرث مثل الأمم المتحدة ستستمر، إلا أن مواكبتها لتحديات العصر ربما ستتقلص في وقت تلجأ فيه القوى العظمى إلى عقد ترتيبات متعددة الأطراف أضيق بين شركاء يتبنون مواقف ووجهات نظر متشابهة.
*أستاذة مساعدة بالكلية الحربية البحرية الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»