مناسبة المولد النبوي الشريف، الذي يحل يوم غد، وتتكرر فيه ذكرى ميلاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول في كل عام هجري، وتتجدد فيه محبة المسلمين له وأهمية الاقتداء بصفاته في الرحمة والحلم والتواضع والكرم وغيرها من الأخلاق العظيمة، فرصة للتأكيد على الصفات التي تحتاجها البشرية الآن، للتخلص مع أضرار الكراهية والتعصب ونبذ الآخر. فالرسالة النبوية أكدت منطق الخير للجميع، وعمارة الأرض، والتآخي بين بني البشر، والتسامح، وإرساء أخلاق نبيلة تصون المجتمعات وتضمن اندماج الفرد في محيطه الاجتماعي، بروح إيجابية، لضمان الاستقرار، واستدامة التكافل والتعاون. 
ولطالما حضت الأديان على صون حقوق الأقليات، وتنظيم العلاقات بين أتباع الديانات وفق أسس يسودها الاحترام المتبادل، وهذا هو التسامح الحقيقي، الذي يوفر فرصة اللقاء الإنساني بين البشر بغض النظر عن المعتقدات والمذاهب والملل. 
احترام الرموز الدينية خطوة مهمة لتسامح الأديان. وأعتقد أن وجود ثقافة تسمح بالتعرف على الأديان الأخرى، مطلب ضروري، كي يتعرف أتباع كل دين على خصوصية الديانات الأخرى ورموزها، حتى لا يكون الجهل بهذه المعطيات سبباً في توتير العلاقة بين أتباع الديانات، أو أن يتم استغلال غياب هذا الوعي، في بث الفتنة داخل المجتمعات، ونثر بذور الكراهية، ومن ثم ترك مساحة يصول ويجول فيها المتطرفون. 
الحوار العقلاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ما يثبت أن محاولة التراجع في الموقف هو تأكيد على أن حق حرية التعبير ليس في تدني القيم الإنسانية والسخرية والإساءة لعقائد الآخرين أو القول بأن هذه القضية يكون النقاش فيها عالمياً عابراً للحدود والدول والثقافات، لأن التوازن الدقيق بين حق حرية التعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية، سيجنب العالم إذكاء التطرف والعنف التي جلبت للإنسانية مآسي بالغة. 
احترام الأديان وصون رموزها وحمايتها من الازدراء منهج راسخ لدى دولة الإمارات، وليس أدل على ذلك من المرسوم بقانون (رقم 2 لسنة 2015) بشأن مكافحة التمييز والكراهية، لذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فهذا القانون يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها. بالإضافة إلى مبادرات أخرى ومنها إعلان عام 2019 عام التسامح في الإمارات وتوقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية»، التي جعلت من المجتمع الإماراتي أكثر المجتمعات في العالم قبولاً للآخر واحتراماً للخصوصيات الدينية والثقافية وجذباً لعيش أكثر من 200 جنسية في انسجام تام. كل ذلك ساهم في دعم حرية التعبير، ومنع تحقيق انتهازية الإسلام السياسي الذي يسعى إلى تغذية التطرف والإرهاب حول العالم. 
فهل تقتدي دول العالم بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتركز على تفعيل القرار رقم 65/224 بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان الصادر عن الدورة الخامسة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 11 أبريل 2011؟ أم سيبقى هناك من يتلاعب بتعريف مفهوم «حرية التعبير» ليستخدمه وفق أهوائه وظروفه، ضارباً بعرض الحائط كل القيم الإنسانية ومنطق التعايش بين الشعوب والثقافات؟ وكل عام وأنتم بخير.

*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية